الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا} (124)

وقوله : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات } بعد ذكر تمني أهل الكتاب ، نحو من قوله : { بلى مَن كَسَبَ سَيّئَةً وأحاطت بِهِ خَطِيئَتُهُ } [ البقرة : 81 ] ، وقوله : { والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } عقيب قوله : { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } [ البقرة : 80 ] وإذا أبطل الله الأماني وأثبت أن الأمر كله معقود بالعمل ، وأن من أصلح عمله فهو الفائز . ومن أساء عمله فهو الهالك : تبين الأمر ووضح ، ووجب قطع الأماني وحسم المطامع ، والإقبال على العمل الصالح . ولكنه فصح لا تعيه الآذان ولا تلقى إليه الأذهان .

فإن قلت : ما الفرق بين ( من ) الأولى والثانية ؟ قلت : الأولى للتبعيض ، أراد ومن يعمل بعض الصالحات ؛ لأنّ كلا لا يتمكن من عمل كل الصالحات لاختلاف الأحوال ، وإنما يعمل منها ما هو تكليفه وفي وسعه . وكم من مكلف لا حج عليه ولا جهاد ولا زكاة ، وتسقط عنه الصلاة في بعض الأحوال . والثانية لتبيين الإبهام في { وَمَنْ يَعْمَلْ }

فإن قلت : كيف خص الصالحون بأنهم لا يظلمون وغيرهم مثلهم في ذلك ؟ قلت : فيه وجهان ، أحدهما : أن يكون الراجع في ( ولا يظلمون ) لعمال السوء وعمال الصالحات جميعاً . والثاني أن يكون ذكره عند أحد الفريقين دالاً على ذكره عند الآخر ، لأن كلا الفريقين مجزيون بأعمالهم لا تفاوت بينهم ، ولأن ظلم المسيء أن يزاد في عقابه ، وأرحم الراحمين معلوم أنه لا يزيد في عقاب المجرم ، فكان ذكره مستغنى عنه وأما المحسن فله ثواب وتوابع للثواب من فضل الله هي في حكم الثواب ، فجاز أن ينقص من الفضل لأنه ليس بواجب . فكان نفي الظلم دلالة على أنه لا يقع نقصان في الفضل .