التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰمٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيۡرِ نَفۡسٖ لَّقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـٔٗا نُّكۡرٗا} (74)

أما الحادث الثانى الذى لم يستطع موسى أن يقف أمامه صامتا ، فقد حكاه القرآن فى قوله : { فانطلقا حتى إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً . . . }

أى : فانطلق موسى والخضر للمرة الثانية بعد خروجهما من السفينة ، وبعد أن قبل الخضر اعتذار موسى .

{ حتى إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ } فى طريقهما ، ما كان من الخضر إلا أن أخذه { فقتله } .

وهنا لم يستطع موسى - عليه السلام - أن يصبر على ما رأى ، أو أن يكظم غيظه ، فقال باستنكار وغضب : { أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً } أى : طاهرة بريئة من الذنوب { بغير نفس } .

أى : بغير أن ترتكب ما يوجب قتلها ، لأنها لم تقتل غيرها حتى تقتص منها . أى : أن قتلك لهذا الغلام كان بغير حق .

{ لقد جئت } أيها الرجل { شيئا نكرا } أى : منكرا عظيما . يقال . نكر الأمر ، أى : صعب واشتد . والمقصود : لقد جئت شيئا أشد من الأول فى فظاعته واستنكار العقول له .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰمٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيۡرِ نَفۡسٖ لَّقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـٔٗا نُّكۡرٗا} (74)

ويقبل الرجل اعتذاره ، فنجدنا أمام المشهد الثاني :

( فانطلقا . حتى إذا لقيا غلاما فقتله . . ) .

وإذا كانت الأولى خرق السفينة واحتمال غرق من فيها ؛ فهذه قتل نفس . قتل عمد لا مجرد احتمال . وهي فظيعة كبيرة لم يستطع موسى أن يصبر عليها على الرغم من تذكره لوعده :

( قال : أقتلت نفسا زكية بغير نفس ? لقد جئت شيئا نكرا ) .

فليس ناسيا في هذه المرة ولا غافلا ؛ ولكنه قاصد . قاصد أن ينكر هذا النكر الذي لا يصبر على وقوعه ولا يتأول له أسبابا ؛ والغلام في نظره بريء . لم يرتكب ما يوجب القتل ، بل لم يبلغ الحلم حتى يكون مؤاخذا على ما يصدر منه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰمٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيۡرِ نَفۡسٖ لَّقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـٔٗا نُّكۡرٗا} (74)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَانْطَلَقَا حَتّىَ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نّكْراً } .

يقول تعالى ذكره : فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله العالم ، فقال له موسى : أقتلت نفسا زكية .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والبصرة : «أقَتَلْتَ نَفْسا زَاكِيَةً » وقالوا معنى ذلك : المطهرة التي لا ذنب لها ، ولم تذنب قطّ لصغرها . وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة : نَفْسا زَكِيّةً بمعنى : التائبة المغفور لها ذنوبها . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أقَتَلْتَ نَفْسا زَكِيّةً والزكية : التائبة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قالَ أقَتَلْتَ نَفْسا زَكِيّةً قال : الزكية : التائبة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر أقَتَلْتَ نَفْسا زَاكِيَةً قال : قال الحسن : تائبة ، هكذا في حديث الحسن وشهْر زاكية .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله نَفْسا زَكيّةً قال : تائبة . ذكر من قال : معناها المسلمة التي لا ذنب لها :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني يعلى بن مسلم ، أنه سمع سعيد بن جبير يقول : وجد خضر غلمانا يلعبون ، فأخذ غلاما ظريفا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين . قال : وأخبرني وهب بن سليمان عن شعيب الجبئي قال : اسم الغلام الذي قتله الخضر : جيسور «قالَ أقَتَلْتَ نَفْسا زَاكِيَةً » قال : مسلمة . قال : وقرأها ابن عباس : زَكِيّةً كقولك : زكيا .

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل الكوفة يقول : معنى الزكية والزاكية واحد ، كالقاسية والقسية ، ويقول : هي التي لم تجن شيئا ، وذلك هو الصواب عندي لأني لم أجد فرقا بينهما في شيء من كلام العرب .

فإذا كان ذلك كذلك ، فبأيّ القراءتين قرأ ذلك القارىء فمصيب ، لأنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار بمعنى واحد .

وقوله : بِغَيْرِ نَفْسٍ يقول : بغير قصاص بنفس قتلت ، فلزمها القتل قودا بها . وقوله : لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا نُكْرا يقول : لقد جئت بشيء منكر ، وفعلت فعلاً غير معروف . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل : ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا نُكْرا والنّكْرُ أشدّ من الإمر .