التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَجۡمِعُواْ كَيۡدَكُمۡ ثُمَّ ٱئۡتُواْ صَفّٗاۚ وَقَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡيَوۡمَ مَنِ ٱسۡتَعۡلَىٰ} (64)

والفاء فى قوله - تعالى : { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ . . . } فصيحة ، أى : إذا كان الأمر كذلك من أن موسى وهارون قد حضرا ليخرجاكم من أرضكم بسحرهما . . . { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } أى : فأحكموا سحركم واعزموا عليه ولا تجعلوه متفرقا .

يقال : أجمع فلان رأيه وأزمعه ، إذا عزم عليه وأحكمه واستعد لتنفيذه وقوله { ثُمَّ ائتوا صَفّاً } أى : ثم ائتوا جميعا مصطفين ، حتى يكون أمركم أكثر هيبة فى النفوس ، وأعظم وقعا على القلوب ، وأدعى إلى الترابط والثبات وقوله { وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى } تذييل مؤكد لما قبله .

أى : وقد أفلح وفاز بالمطلوب فى يوم النزال من طلب العلو ، وسعى من أجله ، واستطاع أن يتغلب على خصمه ، لأننا إذا تغلبنا على موسى كانت لنا الجوائز العظمى ، وإذا تغلب علينا خسرنا خسارة ليس هناك ما هو أشد منها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَجۡمِعُواْ كَيۡدَكُمۡ ثُمَّ ٱئۡتُواْ صَفّٗاۚ وَقَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡيَوۡمَ مَنِ ٱسۡتَعۡلَىٰ} (64)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمّ ائْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىَ } .

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : " فأجْمِعُوا كَيْدَكُمْ " فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة فأجْمِعُوا كَيْدَكُمْ بهمز الألف من فأجْمِعُوا ، ووجّهوا معنى ذلك إلى : فأحكموا كيدكم ، واعزموا عليه من قولهم : أجمع فلان الخروج ، وأجمع على الخروج ، كما يقال : أزمع عليه ومنه قول الشاعر :

يا لَيْت شعْرِي والمُنى لا تَنْفَعُ *** هَلْ أغْدُوَنْ يَوْما وأمْرِيَ مُجْمَعُ

يعني بقوله : «مجمع » قد أحكم وعزم عليه ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ لَمْ يُجْمِعْ عَلى الصّوْمِ مِن اللّيْلِ فَلا صَوْم لَهُ » .

وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل البصرة : «فاجْمِعُوا كَيْد كُمْ » بوصل الألف ، وترك همزها ، من جمعت الشيء ، كأنه وجّهه إلى معنى : فلا تدَعوا من كيدكم شيئا إلا جئتم به . وكان بعض قارئي هذه القراءة يعتلّ فيما ذُكر لي لقراءته ذلك كذلك بقوله : " فَتَوّلى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ " .

قال أبو جعفر : والصواب في قراءة ذلك عندنا همز الألف من أجمع ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، وأن السحرة هم الذين كانوا به معروفين ، فلا وجه لأن يقال لهم : اجمعوا ما دعيتم له مما أنتم به عالمون ، لأن المرء إنما يجمع ما لم يكن عنده إلى ما عنده ، ولم يكن ذلك يوم تزيد في علمهم بما كانوا يعملونه من السحر ، بل كان يوم إظهاره ، أو كان متفرّقا مما هو عنده ، بعضه إلى بعض ، ولم يكن السحر متفرّقا عندهم فيجمعونه . وأما قوله : " فَجَمَعَ كَيْدَهُ " فغير شبيه المعنى بقوله " فَأجِمعُوا كَيْدَكُمْ " وذلك أن فرعون كان هو الذي يجمع ويحتفل بما يغلب به موسى مما لم يكن عنده مجتمعا حاضرا ، فقيل : فتولى فرعون فجمع كيده .

وقوله : " ثُمّ ائْتُوا صَفّا " يقول : احضروا وجيئوا صفا والصفّ ههنا مصدر ، ولذلك وحد ، ومعناه : ثم ائتوا صفوفا ، وللصفّ في كلام العرب موضع آخر ، وهو قول العرب : أتيت الصفّ اليوم ، يعني به المصلى الذي يصلى فيه .

وقوله : " وَقَدْ أفْلَحَ اليَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى " يقول : قد ظفر بحاجته اليوم من علا على صاحبه فقهره ، كما :

حدثنا ابن حميد ، قلا : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن وهب بن منبه ، قال : جمع فرعون الناس لذلك الجمع ، ثم أمر السحرة فقال : ائْتُوا صَفّا " وَقَدْ أفْلَحَ اليَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى " أي قد أفلح من أفلج اليوم على صاحبه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَجۡمِعُواْ كَيۡدَكُمۡ ثُمَّ ٱئۡتُواْ صَفّٗاۚ وَقَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡيَوۡمَ مَنِ ٱسۡتَعۡلَىٰ} (64)

وقرأ جمهور القراء «فأجمعوا » بقطع الألف وكسر الميم على معنى أنقذوا واعزموا ، وقرأ أبو عمرو وحده «فاجمعوا » من جمع أي ضموا سحركم بعضه إلى بعض ، وقرأ ابن كثير «ثمَّ » بفتح الميم «ايْتوا » بسكون الياء ، وقرأ أيضاً في رواية شبل عنه بكسر الميم «ثمِ ايتوا » قال أبو علي وهذا غلط ولا وجه لكسر الميم من «ثم » وقرأ الجمهور «ثم ائتوا » بفتح الميم وبهمزة بعد الألف ، قوله { صفاً } حال أي مصطفين وتداعوا إلى هذا لأنه أهيب وأظهر لهم ، و { أفلح } معناه ظفر ببغيته و { استعلى } معناه طلب العلو في أمره وسعى سعيه .