التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡعَصۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة العصر

مقدمة وتمهيد

1- سورة " العصر " وتسمى سورة " والعصر " من السور المكية عند جمهور المفسرين ، وكان نزولها بعد سورة " الانشراح " ، وقبل سورة " العاديات " ، فهي السورة الثالثة عشرة في ترتيب النزول .

وقيل : هي مدنية ، والمعول عليه الأول ؛ لأنه المنقول عن ابن عباس وابن الزبير وغيرهما ، وعدد آياتها ثلاث آيات .

2- وقد اشتملت على بيان من هم أهل الخسران ، ومن هم أهل السعادة .

قال الآلوسي : وهي على قصرها جمعت من العلوم ما جمعت ، فقد روي عن الشافعي أنه قال : لو لم ينزل من القرآن غير هذه السورة لكفت الناس ؛ لأنها شملت جميع علوم القرآن .

وأخرج الطبراني في الأوسط ، والبيهقي في الشعب ، عن أبي حذيفة -وكانت له صحبة- أنه قال : كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يتفرقا ، حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة " والعصر " ، ثم يسلم أحدهما على الآخر . . أي : عند المفارقة( {[1]} ) .

للعلماء أقوال متعددة فى المقصود بالعصر هنا ، فمنهم من يرى أن المقصود به : الدهر كله ، لما فيه من العبر التى تدل دلالة واضحة على عظيم قدرة الله - تعالى - ، ولما فيه من الأحداث التى يراها الناس بأعينهم ، ويعرفونها عن غيرهم .

فهم يرون ويسمعون كم من غنى قد صار فقيرا ، وقوي قد صار ضعيفا ، ومسرور قد أصبح حزينا . . ورحم الله القائل :

أشاب الصغير وأفنى الكبير . . . كر الغداة ومر العشي

قال القرطبى : قوله - تعالى - : { والعصر } أي : الدهر ، قال ابن عباس وغيره : فالعصر مثل الدهر . . وأقسم به - سبحانه - لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها .

ومنهم من يرى أن المقصود به : وقت صلاة العصر ، وقد صدر صاحب الكشاف تفسيره لهذه الآية بهذا الرأي فقال : أقسم - سبحانه - بصلاة العصر لفضلها ، بدليل قوله - تعالى - : { حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى } - وهى صلاة العصر - ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " من فاتته صلاة العصر فكأنما وَتِرَ أهله وماله " ، ولأن التكليف فى أدائها أشق لتهافت الناس فى تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار . .

ومنهم من يرى أن المراد بالعصر هنا : عصر النبوة ، لأفضليته بالنسبة لما سبقه من عصور .

وقد رجح الإِمام ابن جرير القول الأول فقال : والصواب من القول فى ذلك أن يقال : إن ربنا أقسم بالعصر ، والعصر اسم الدهر ، وهو العشي ، والليل والنهار .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلۡعَصۡرِ} (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالْعَصْرِ * إِنّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { وَالْعَصْرِ } فقال بعضهم : هو قَسَم أقسم ربنا تعالى ذكره بالدهر ، فقال : العصر : هو الدهر . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَالْعَصْرِ } قال : العصر : ساعة من ساعات النهار .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن { وَالْعَصْرِ } قال : هو العشيّ .

والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إن ربنا أقسم بالعصر ، { وَالْعَصْرِ } اسم للدهر ، وهو العشيّ والليل والنهار ، ولم يخصص مما شمله هذا الاسم معنى دون معنى ، فكلّ ما لزِمه هذا الاسم فداخل فيما أقسم به جلّ ثناؤه .