التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} (50)

ثم لقن الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم الأجوبة الحاسمة التى تدمغ شبهات الكافرين ، وتبين ضلال مقترحاتهم فقال : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي . . . .

المعنى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يقترحون عليك المقترحات الباطلة قل لهم : ليس عندى خزائن الرزق فأعطيكم منها ما تريدون ، وإنما ذلك لله - تعالى - فهو الذى له خزائن السموات والأرض ، وقد كان المشركون يقولون للنبى صلى الله عليه وسلم إن كنت رسولا من الله فاطلب منه أن يوسع عيشنا ويغنى فقرنا ، وقل لهم كذلك إنى لا أعلم الغيب فاخبركم بما مضى وبما سيقع فى المستقبل ، وإنما علم ذلك عند الله ، وقد كانوا يقولون له أخبرنا بما ينفعنا ويضرنا فى المستقبل . حتى نستعد لتحصيل المصالح ودفع المضار ، وقل لهم : إنى لست ملكا فأطلع على مالا يطلع عليه الناس وأقدر على ما لا يقدرون عليه . وقد كانوا يقولون : ما لهذا الرسول يأكل طعاما ويمشى فى الأسواق ثم يتزوج النساء .

ثم بين لهم وظيفته فقال : { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ } أى إن وظيفتى اتباع ما يوحى إلى من ربى . فأنا عبده وممتثل لأمره ، وحاشاى أن أدعى شيئا من تلك الأشياء التى اقترحتموها على . فالآية الكريمة مسوقة على سبيل الاستئناف لإظهار تبريه عما يقترحونه عليه .

ثم بين لهم - سبحانه - الفرق بين المهتدى والضال فقال : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } .

أى : قل لهم : هلى يستوى أعمى البصيرة الضال عن الصراط المستقيم الذى دعوتكم إليه ، وذو البصيرة المنيرة التى اهتدت إلى الحق فآمنت به واتبعته ؟

فالمراد بالأعمى الكافر الذى لم يستجب للحق ، وبالبصير المؤمن الذى انقاد له .

والاستفهام للانكار ونفى الوقوع ، أى : كما أنه لا يتساوى أعمى العينين وبصيرهما ، فكذلك لا يتساوى المهتدى والضال والرشيد والسفيه ، بل إن الفرق بين المهتدى والضال أقوة وأظهر ، لأنه كم من أعمى العينين وبصير القلب هو من أعلم العلماء وأهدى الفضلاء وكم من بصير العينين أعمى القلب هو أضل من الأنعام ، ولذا قرعهم الله - تعالى - بقوله : { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } ؟ أى : أفلا تتفكرون فى ذلك فتميزوا بين ضلالة الشرك وهداية الإسلام ، وبين صفات الرب وصفات الإنسان . والاستفهام هنا للتحريض على التفكر والتدبر .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} (50)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُل لاّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلآ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلآ أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَكٌ إِنْ أَتّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَىَ إِلَيّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَىَ وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكّرُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : قل لهؤلاء المنكرين نبوّتك : لست أقول لكن إني الربّ الذي له خزائن السموات والأرض وأعلم غيوب الأشياء الخفية التي لا يعلمها إلاّ الربّ الذي لا يخفى عليه شيء ، فتكذّبوني فيم أقول من ذلك لأنه لا ينبغي أن يكون ربّا إلاّ من له ملك كلّ شيء وبيده كلّ شيء ومن لا يخفى عليه خافية ، وذلك هو الله الذي لا إله غيره . وَلا أقُولُ لَكُمْ إنّي مَلَكٌ لأنّه لا ينبغي لملك أن يكون ظاهرا بصورته لأبصار البشر في الدنيا ، فتجحدوا ما أقول لكم من ذلك . إنْ أتّبِعُ إلاّ ما يُوحَى إليّ يقول : قل لهم : ما أتبع فيما أقول لكم وأدعوكم إليه إلاّ وحي الله الذي يوحيه إليّ وتنزيله الذي ينزله عليّ ، فأمضي لوحيه وأئتمر لأمره ، وقد أتيتكم بالحجج القاطعة من الله عذركم على صحة قولي في ذلك ، وليس الذي أقول من ذلك بمنكر في عقولكم ولا مستحيل كونه بل ذلك مع وجود البرهان على حقيقته هو الحكمة البالغة ، فما وجه إنكاركم لذلك ؟ وذلك تنبيه من الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على موضع حجته على منكري نبوّته من مشركي قومه . قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهم : هل يستوي الأعمى عن الحقّ والبصير به ؟ والأعمى هو الكافر الذي قد عمى عن حجج الله فلا يتبينها فيتبعها . والبصير : المؤمن الذي قد أبصر آيات الله وحججه فاقتدى بها واستضاء بضيائها . أفَلا تَتَفَكّرُونَ يقول لهؤلاء الذي كذّبوا بآيات الله : أفلا تتفكرون فيما أحتجّ عليكم به أيها القوم من هذه الحجج ، فتعلموا صحة ما أقول وأدعوكم إليه من فساد ما أنتم عليه مقيمون من إشراك الأوثان والأنداد بالله ربكم وتكذيبكم إياي ، مع ظهور حجج صدقي لأعينكم ، فتَدَعُوا ما أنتم عليه من الكفر مقيمون إلى ما أدعوكم إليه من الإيمان الذي به تفوزون ؟

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ قال : الضالّ والمهتدى .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ . . . الاَية قال : الأعمى : الكافر الذي قد عمي عن حقّ الله وأمره ونعمه عليه والبصير : العبد المؤمن الذي أبصر بصرا نافعا ، فوحد الله وحده ، وعمل بطاعة ربه ، وانتفع بما آتاه الله .