التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنٗا مَّوَدَّةَ بَيۡنِكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُ بَعۡضُكُم بِبَعۡضٖ وَيَلۡعَنُ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا وَمَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (25)

ثم حكى - سبحانه - ما قاله إبراهيم - عليه السلام - لقومه بعد أن نجاه الله من شرورهم فقال : { وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم مِّن دُونِ الله أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الحياة الدنيا ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } .

ولفظ " مودة " وردت فيه قراءات : فقد قرأه بعض القُراء السبعة بالنصب ، على أنه مفعول به لقوله : { اتخذتم } أو على أنه مفعول لأجله ، فيكون المعنى :

وقال إبراهيم لقومه : يا قوم إنكم لم تتخذوا هذه الأوثان معبودات لكم عن عقدية واقتناع بأحقية عبادتها . وإنما اتخذتموها معبودات من أجل فيما بينكم ، ومن أجل أن يجامل بعضكم بعضا فى عبادتها ، على حساب الحق والهدى .

وهذا شأنكم فى الدنيا ، أما فى يوم القيامة ، فهذه المودة ستزول لأنها مودة باطلة ، وسيكفر بعضكم ببعض ، ويلعن بعضكم بعضا ، حيث يتبرأ القادة من الأتباع ، والأتباع من القادة . { وَمَأْوَاكُمُ النار } أى : ومنزلكم الذى تأوون إليه أنتم وأصنامكم يوم القيامة النار { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } يخلصونكم من هذه النار ، أو يخففون عسيرها عنكم .

وبعض القراء السبعة قرأ لفظ { مَّوَدَّةَ } بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف : أى : أن ما اتخذتموه من عبادة الأوثان ، هو مودة بينكم فى الحياة الدنيا ، أما فى الآخرة فسيكفر بعضكم ببعض ، ليعن بعضكم بعضا .

والمقصود من الآية الكريمة ، بيان أن هؤلاء المشركين لم يتخذوا الأصنام آلهة ، وهم يعتقدون صحة ذلك اعتقادا جازما ، وإنما اتخذوها فى الدنيا آلهة تارة على سيل التواد فيما بينهم ، وتارة على سبيل التقليد والمسايرة لغيرهم . . أما فى الآخرة فستتول تلك المودات والمسايرات والتقاليد إلى عداوات ومقاطعات وملاعنات . .