الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِيۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهۡدِي ٱلظَّـٰلِمِينَ} (124)

و{ ابتلى }[ البقرة :124 ] معناه : اختبر ، وفي «مختَصَرِ الطَّبريِّ » : { ابتلى } ، أي : اختبر ، والاختبارُ من اللَّه عزَّ وجلَّ لعباده على علْمٍ منه سبحانه بباطِنِ أمرهم وظاهره ، وإنما يبتليهم ليظهر منهم سابقُ علمه فيهم ، وقد روي ذلك عن عليٍّ - رضي اللَّه عنه - في قوله عز وجَلَّ : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين وَنَبْلُوَاْ أخباركم } [ محمد : 31 ] فقال رضي اللَّه عنه : إِن اللَّه عزَّ وجلَّ لم يزلْ عالماً بأخبارِهِمْ وخُبْرِهِمْ وما هُمْ عليه ، وإن قوله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ } ، أي : حتى نسوقَكُم إِلى سابقِ علْمِي فيكم ، انتهى ، وهو كلام حسنٌ .

وقد نبه ( ع ) على هذا المعنى فيما يأتي ، والعقيدةُ أنَّ علمه سبحانه قديمٌ ، عَلِمَ كلَّ شيء قبْلَ كونه ، فجرى على قَدَرِهِ لا يكون من عباده قولٌ ولا عملٌ إلا وقد قضاه ، وسبق علمه به سبحانه لا إله إلا هو .

و { إِبْرَاهِيمَ }[ البقرة :124 ] يقال : إِنَّ تفسيره بالعربيَّةِ أَبٌ رَحِيمٌ ، واختلف أهل التأويل في الكلمات ، فقال ابن عَبَّاس : هي ثلاثُونَ سَهْماً ، هي الإسلام كلُّه ، لم يتمَّه أحدٌ كاملاً إلا إبراهيمُ - عليه السلام - منْها في ( براءة ) :

{ التائبون العابدون . . . } الآية [ التوبة : 112 ]الآية ، وعشرة في ( الأحزاب ) : { إِنَّ المسلمين والمسلمات . . . } [ الأحزاب : 35 ]الآية ، وعَشَرة في

{ سَأَلَ سَائِلٌ } [ المعارج : 1 ] .

( ت ) وقيل غير هذا ، وفي «البخاريِّ » : أنه اختتن ، وهو ابن ثمانينَ سنَةً بالقَدُومِ ، قال الراوي : فأوحى اللَّه إليه : { إِنِّي جاعلك لِلنَّاسِ إِمَامًا }

[ البقرة :124 ] والإِمام القُدْوة ، وإِنما سمِّيت هذه الخصالُ كلماتٍ ، لأنها اقترنتْ بها أوامر هي كلمات ، وروي أن إبراهيم ، لما أتمَّ هذه الكلماتِ ، أو أتمَّها اللَّه عليه ، كتب اللَّه له البراءة من النَّار ، فذلك قوله تعالى : { وإبراهيم الذي وفي } [ النجم : 37 ] . وقول إبراهيم عليه السلام : { وَمِن ذُرِّيَّتِي }[ البقرة :124 ] هو على جهةِ الرغباءِ إلى اللَّه أو من ذريتي ، يا ربِّ ، فاجعل .

وقوله تعالى : { قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين }[ البقرة :124 ] .

أي : قال اللَّه ، والعهد فيما قال مجاهد : الإِمامة .