الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِذۡ جَعَلۡنَا ٱلۡبَيۡتَ مَثَابَةٗ لِّلنَّاسِ وَأَمۡنٗا وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبۡرَٰهِـۧمَ مُصَلّٗىۖ وَعَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ} (125)

وقوله تعالى : { وَإِذْ جَعَلْنَا البيت }[ البقرة :125 ] أي : الكعبة { مَثَابَةً } يحتملُ مِنْ ثَابَ إِذا رجع ، ويحتمل أن تكون من الثواب ، أي : يثابون هناك ، { وَأَمْناً } للناسِ ، والطيرِ ، والوُحُوشِ ، إذ جعل اللَّه لها حرمةً في النفوس ، بحيث يَلْقَى الرجُلُ بها قاتِلَ أبيه ، فلا يهيجه ، وقَرَأَ جمهور الناس :

{ واتخذوا } ، بكسر الخاء على جهة الأمر لأمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم ، وقرأ نافعٌ ، وابنُ عامرٍ ، { واتخذوا } بفتح الخاء على جهة الخبر عن مَنِ اتخذه مِنْ متبعي إبراهيم - عليه السلام – و{ مقام إبراهيم } في قول ابن عَبَّاس ، وقتادة ، وغيرهما ، وخرَّجه البُخَارِيُّ هو الحَجَر الذي ارتفع عليه إِبراهيم حينَ ضَعُف عن رفْع الحجارةِ الَّتي كان إِسماعيلُ يناوله إِياها في بنَاء البَيْت ، وغَرِقَتْ قدماه فيه ، و{ مُصَلًّى } : موضع صلاة .

( ص ) { مِن مَّقَامِ } : مِنْ تبعيضيةٌ على الأظهر ، أو بمعنى في ، أو زائدة على مذهب الأخفش ، والمقامُ : مَفْعَلٌ من القيامِ ، والمراد به هنا المكانُ ، انتهى . يعني : المكانَ الذي فيه الحَجَر المسمى بالمقام .

وقوله تعالى : { وَعَهِدْنَا }[ البقرة :125 ] .

العَهْدُ في اللغة : على أقسام ، هذا منها الوصية بمعنى الأمر ، و{ طَهِّرَا } قيل : معناه ابنياه وأسِّساه على طَهَارَةٍ ونيَّةِ طَهَارَةٍ ، وقال مجاهدٌ : هو أمر بالتطهير من عبادة الأوثان ، و { لِلطَّائِفِينَ } ظاهره أهل الطوافِ ، وَقَالَهُ عطاء وغيره ، وقال ابن جُبَيْر : معناه : للغرباءِ الطارئِينَ على مكَّة ،

{ والعاكفين } ، قال ابن جُبَيْر : هم أهل البلد المقيمُونَ ، وقال عطاء : هم المجاورُونَ بمكَّة ، وقال ابنُ عبَّاس : المصَلُّون ، وقال غيره : المعتكفُونَ ، والعكُوف في اللغة : الملازمة .