الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ كَيۡفَ يَشَآءُۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (6)

ثم أخبر سبحانه عن تَصْويره للبَشَرِ في أرحامِ الأمَّهاتِ ، وهذا أمر لا ينكرُهُ عاقلٌ ، ولا ينكر أنَّ عيسى وسائر البَشَر لا يقْدِرُونَ عليه ، ولا ينكر أنَّ عيسى من المصوَّرِينَ كغيره من سائرِ البَشَر ، فهذه الآية تعظيمٌ للَّه جلَّتْ قُدْرته ، في ضِمْنِها الرَّدُّ على نصارى نَجْران ، وفي قوله : { إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْءٌ } وعيدٌ ، وشرح النبيُّ صلى الله عليه وسلم كيفيَّة التصْويرِ في الحديثِ الَّذي رواه ابنُ مَسْعُودٍ وغيره : ( إنَّ النُّطْفَةَ ، إِذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ ، مَكَثَتْ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْماً ، ثُمَّ تَكُونُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْماً ، ثُمَّ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكاً ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَذَكَرْ أَمْ أنثى ؟ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ ؟ ) الحديث بطوله على اختلاف ألفاظه ، وفي مسندِ ابن «سِنْجَر » حديثٌ ، ( إنَّ اللَّهَ سُبْحَانه يَخْلُقُ عِظَامَ الجَنِينِ ، وَغَضَارِيفَهُ مِنْ مَنِيِّ الرَّجُلِ ، وَلَحْمَهُ وَشَحْمَهُ وَسَائِرَ ذَلِكَ مِنْ مَنِيِّ المَرْأَةِ ) ، وَصَوَّرَ : بناءُ مبالغةٍ من صَارَ يَصُورُ ، إِذا أمال وثنى إلى حالٍ مَّا ، فلما كان التصويرُ إمالةً إلى حال ، وإِثباتاً فيها ، جاء بناؤه على المُبَالغة .