قوله تعالى : { وَإِنِ امرأة خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً . . . } [ النساء :128 ] .
هذه الآيةُ حُكْمٌ من اللَّه تعالى في أمْرِ المرأةِ الَّتِي تكُونُ ذاتَ سِنٍّ ، ونَحْو ذلك ممَّا يرغَبُ زوجُها عَنْها ، فيعرض عليها الفُرْقَة أو الصَّبْر على الأَثَرة ، فتُرِيدُ هي بَقَاءَ العِصْمة ، فهذه التي أَبَاحَ اللَّه بينهما الصُّلْحَ ، ورَفَعَ الجُنَاحَ فيه .
واختلف في سَبَبِ نزولِ الآية ، فقال ابنُ عبَّاس وجماعةٌ : نزلَتْ في النبيِّ عليه السلام ، وسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ ، وفي المصنَّفات : أن سَوْدَةَ لما كَبِرَتْ ، وَهَبَتْ يومها لعائشة ، وقال ابنُ المُسَيَّب ، وغيره : نزلَتْ بسبب رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، وامرأتِهِ خَوْلَةَ ، وقال مجاهدٌ : نزلَتْ بسبب أبي السَّنَابِلِ ، وامرأتِهِ ، ولفظُ ابنِ العربيِّ في «أحكامه » : قوله تعالى : { وَإِنِ امرأة خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً . . . } الآية ، قالَتْ عائشةُ ( رضي اللَّه تعالى عنها ) : هِيَ المرأَةُ تكُونُ عند الرجُلِ ليس بمستكْثِرٍ منها يريدُ أنْ يفارقَهَا ، فتقولُ لَهُ : أجعلُكَ مِنْ شأنِي في حِلٍّ ، فنزلَتِ الآية ، قال الفقيهُ أبو بَكْرِ بْنُ العَرَبِيِّ : فرضوانُ اللَّه علَى الصِّدِّيقة المُطَهَّرة ، لَقَدْ وفَّتْ بما حَمَّلها ربُّها من العَهْد في قوله تعالى : { واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيات الله والحكمة }[ الأحزاب : 34 ] انتهى .
وقوله تعالى : { والصلح خَيْرٌ }[ النساء :128 ] لفظٌ عامٌّ مطلقٌ يقتضي أنَّ الصُّلّحَ الحقيقيَّ الذي تسكن إلَيْه النفوسُ ، ويزولُ به الخلافُ ، خَيْرٌ على الإطلاق ، ويندرج تحْتَ هذا العموم أنَّ صُلْحَ الزوجَيْن على ما ذكرنا خيرٌ من الفُرْقَة .
وقوله تعالى : { وَأُحْضِرَتِ الأنفس الشح } معذرةٌ عن عَبِيدِهِ تعالى ، أي : لا بُدَّ للإنسان بحُكْم خلقته وجِبِلَّتهِ من أنْ يشحَّ على إرادته ، حتى يَحْمِلَ صاحبه على بعض ما يكره ، وخصَّص المفسِّرون هذه اللفظة هنا .
فقال ابنُ جُبَيْر : هو شُحُّ المرأة بالنفقة مِنْ زوجها ، وبقَسْمه لها أيامَها ، وقال ابن زَيْد : الشحُّ هنا منه وَمِنْها .
قال ( ع ) : وهذا حسنٌ ، والشُّحُّ : الضبط على المعتَقَدَاتِ ، وفي الهمم ، والأموالِ ، ونحو ذلك ، فما أفرط منه ، ففيه بعض المذمَّة ، وهو الذي قال تعالى فيه : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ }[ الحشر : 9 ] وما صار إلى حيِّزِ مَنْعِ الحقوقِ الشرعيَّة ، أو الَّتي تقتضِيَها المروءةُ ، فهو البُخْل ، وهي رذيلةٌ ، لكنها قد تكُونُ في المؤمِنِ ، ومنه الحديثُ : ( قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيَكُونُ المُؤْمِنُ بَخِيلاً ؟ قَالَ : نَعَمْ ) ، وأما الشُّحُّ ، ففي كلِّ أحد ، وينبغي ألاَّ يفرط إلاَّ على الدِّين ، ويدلُّك على أنَّ الشُّحَّ في كلِّ أحد قولُهُ تعالى : { وَأُحْضِرَتِ الأنفس الشح }[ النساء :128 ] وقوله : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ }[ الحشر : 9 ] ، فقد أثبَتَ أنَّ لكل نفسٍ شُحًّا ، وقول النبيِّ عليه السلام : ( وَإَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ ) ، وهذا لم يُرِدْ به واحداً بعينه ، وليس يجمُلُ أنْ يقال هنا : أنْ تَصَدَّقَ وَأَنتَ صحيحٌ بخيلٌ .
وقوله تعالى : { وَإِن تُحْسِنُواْ }[ النساء :128 ] ندْبٌ إلى الإحسان في تحسين العِشْرة ، والصَّبْرِ على خُلُقِ الزوجة ، { وَتَتَّقُواْ } معناه : تتقوا اللَّه في وصيَّته بهنَّ ، إذ هنَّ عوانٌ عندكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.