الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ إِن يَكُنۡ غَنِيًّا أَوۡ فَقِيرٗا فَٱللَّهُ أَوۡلَىٰ بِهِمَاۖ فَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلۡهَوَىٰٓ أَن تَعۡدِلُواْۚ وَإِن تَلۡوُۥٓاْ أَوۡ تُعۡرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (135)

خاطَبَ سبحانه المؤمِنِينَ بقوله : { كُونُواْ قوامين بالقسط }[ النساء :135 ] ، وهو العدل ومعنى { شُهَدَاء لِلَّهِ } ، أيْ : لذاتِهِ ، ولوجْهِهِ ، ولمرضَاتِهِ سبحانه ، وقولُهُ : { وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ } متعلِّق ب { شُهَدَاء } ، هذا هو الظاهرُ الذي فَسَّر عليه الناس ، وأنَّ هذه الشهادة المذكورةَ هي في الحُقُوق ، ويحتملُ أنْ يكُونَ المعنى : ( شهداء للَّه ) بالوحْدَانيَّة ، ويتعلَّق قوله : { وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ } ، ب { قوامين بالقسط } ، والتأويل الأولُ أبْيَنُ ، وشهادةُ المَرْءِ على نفسه هو إقراره بالحقائِقِ .

قال ( ص ) : وقوله تعالى : { إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً } ضميرُ «يَكُنْ » عائدٌ إلى المشهودِ علَيْه ، والضميرُ في «بِهِمَا » عائد على جِنْسَيِ الغَنِيِّ والفقيرِ ، انتهى .

قال ( ع ) : وقوله { أولى بِهِمَا } : أيْ هو أنظر لهما ، وروى الطبريُّ ، أنَّ هذه الآيةَ هي بِسَبَبِ نازلةِ بَنِي أُبَيْرِقٍ ، وقيامِ مَنْ قَامَ فيها بغَيْر القسْطِ .

وقوله تعالى : { فَلاَ تَتَّبِعُواْ الهوى } نهْيٌ بيِّنٌ ، واتباعُ الهوى مُرْدٍ مهلكٌ .

وقوله تعالى : { يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا }[ النساء :135 ] .

يحتملُ أنْ يكون معناه : مَخَافَةَ أنْ تَعْدِلُوا ، ويكون العَدْلُ هنا بمعنَى العُدُولِ عن الحقِّ ، ويحتملُ أنْ يكون معناه : مَحَبَّة أنْ تعدلوا ، ويكون العَدْلُ بمعنى القَسْطِ .

وقوله تعالى : { وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ . . . } ، قال ابن عبَّاس : هي في الخَصْمَيْن يجلسَانِ بَيْن يَدَيِ القاضِي ، فيكون لَيُّ القاضي وإعراضُهُ لأحدهما عَلَى الآخر ، وقال ابنُ زَيْد ، وغيره : هي في الشُّهُود يَلْوِي الشهادَةَ بلسانِهِ ، أو يعرض عن أدائها .

قال ( ع ) : ولفظ الآية يعمُّ القضاءَ والشَّهادة ، والتوسُّطَ بيْنَ النَّاسِ ، وكلّ إنسان مأخوذٌ بأنْ يعدل ، والخُصُوم مطلُوبُونَ بعَدْلٍ مَّا في القضاة فتأمَّله ، وقد تقدَّم تفسير اللَّيِّ ، وباقي الآية وعيدٌ .