الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (10)

وقوله سبحانه : { إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ } : يريد في بيعة الرضوان ، وهي بيعة الشجرة ، حين أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الأهبة لقتال قريش ، لِمَا بَلَغَهُ قتل عثمانَ بن عفانَ ، رسولِهِ إليهم ، وذلك قبل أن ينصرفَ من الحُدَيْبِيَّةِ ، وكان في ألف وأربعمائة ، وبايعهم صلى الله عليه وسلم على الصبر المتناهي في قتال العَدُوّ إلى أقصى الجهد حتى قال سَلَمَةُ بن الأكوع وغيره : بايعنا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم على الموت ، وقال عبد اللَّه بن عمر ، وجابر بن عبد اللَّه : بايعنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أَلاَّ نَفِرّ ، والمبايعة في هذه الآية مُفَاعَلَةٌ من البيع ؛ لأنَّ اللَّه تعالى اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأَنَّ لهم الجنة ، ومعنى : { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله } أَنَّ صفقتهم إنما يمضيها ويمنح الثمن اللَّه تعالى .

( ت ) : وهذا تفسير لا يَمَسُّ الآية ، ولا بُدَّ ، وقال الثعلبيُّ : إنما يبايعون اللَّه أي : أخذك البيعة عليهم عقد اللَّه عليهم ، انتهى . وهذا تفسير حسن .

وقوله تعالى : { يَدُ الله } قال جمهور المتأولين : ( اليد ) بمعنى النعمة ، إذْ نعمة اللَّه في نفس هذه المبايعة لما يستقبل من محاسنها { فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } : التي مَدُّوها لبيعتك ، وقيل : المعنى : قُوَّةُ اللَّه فوقَ قُوَاهُمْ في نصرك .

( ت ) : وقال الثعلبيُّ : { يد اللَّه فوق أيديهم } أي : بالوفاء والعهد ، وقيل : بالثواب ، وقيل : يد اللَّه : في المِنَّةِ عليهم فوق أيديهم : في الطاعة عند المبايعة ، وهذا حَسَنٌ قريب من الأول .

وقوله تعالى : { فَمَن نَّكَثَ } أي : فَمَنْ نقض هذا العهد ، فإنما يجني على نفسه ، و { مَنْ أَوفى بما عاهد عليه اللَّهَ فسنؤتيه أجراً عظيماً } وهو الجنة .