الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا} (1)

مقدمة السورة:

مدنية وآياتها 29 ، هذه السورة نزلت على النبي صلى الله عليه و سلم منصرفة من الحديبية وفي ذلك أحاديث كثيرة عن أنس وابن مسعود وغيرهما وفي تلك السفرة قال النبي صلى الله عليه و سلم لعمر : " لقد أنزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها " خرجه البخاري وغيره .

قوله عز وجل : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } الآية ، قال قوم : يريد فَتْحَ مَكَّةَ ، وقال جمهور الناس ، وهو الصحيح الذي تَعْضُدُهُ قصة الحديبية : إنَّ قوله : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ } إنَّما معناه هو ما يَسَرَّ اللَّه عز وجل لنبيِّه في تلك الخرجة من الفتح البَيِّنِ الذي استقبله ، ونزلت السورة مؤنسة للمؤمنين ؛ لأَنَّهم كانوا استوحشوا من رَدِّ قريشٍ لهم ومن تلك المهادنة التي جعلها اللَّه سبباً للفتوحات ، واستقبل النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في تلك السفرة أَنَّهُ هَادَنَ عَدوَّه ريثما يَتَقَوَّى هو ، وظهرت على يديه آية الماء في بئر الحديبية ؛ حيث وضع فيه سهمه ، وثاب الماء حتى كَفَى الجيش ، واتَّفَقَتْ بيعةُ الرضوان ، وهي الفتح الأعظم ؛ قاله جابر بن عبد اللَّه والبَرَاءُ بن عازب ، وبلغ هَدْيُهُ مَحِلَّهُ ؛ قاله الشَّعْبِيُّ ، واستقبل فتح خيبر ، وامتلأت أيدي المؤمنين ، وظهرت في ذلك الوقت الروم على فارس ، فكانت من جملة الفتح ؛ فَسُرَّ بها صلى الله عليه وسلم هو والمؤمنون ؛ لظهور أهل الكتاب على المجوس ، وشَرَّفَه اللَّه بأنْ أخبره أَنَّه قد غفر له ما تقدَّمَ من ذنبه وما تأَخَّرَ ، أي : وإِنْ لم يكن ذنب .