الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (4)

وقوله تعالى : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجسامهم وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } هذا توبيخٌ لهم ؛ إذ كَانَ مَنْظَرُهم يَرُوقُ جَمَالاً وقولُهُم يَخْلِبُ بَيَاناً ؛ لكنَّهم كالخشبِ المُسَنَّدَة ؛ إذْ لاَ أفْهَامَ لهم نافعةً ، وكانَ عبدُ اللَّه بْنُ أُبَي ابن سَلُولَ مِنْ أبْهَى المنافقينَ ، وأطولِهِم ، ويدلّ على ذلك أنه لَمْ يوجَدْ قميصٌ يكْسُو العباسَ غيرُ قَميصِه ، قال الثعلبيُّ : { تُعْجِبُكَ أجسامهم } لاسْتِوَاءِ خَلْقِهَا وطُول قَامَتِهَا وحُسْنِ صُورَتِها ، قَال ابن عباس : وَكَانَ عَبْدُ اللَّه بن أُبَيٍّ جَسِيماً صَبِيحاً فَصِيحاً ذَلِقَ اللِّسَانِ ، فَإذَا قَالَ سَمِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ووصفهم اللَّه تعالى بتمام الصورةِ وحُسْنِ الإبَانَةِ ، ثم شبَّهَهُم بالخُشُبِ المسنَّدَةِ إلى الحائِط ، لا يَسْمَعُونَ وَلاَ يَعْقِلُونَ أشْبَاحٌ بِلاَ أَرْوَاحٍ ، وأجْسَامٌ بِلاَ أحْلاَم ، انتهى .

وقوله تعالى : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } هَذَا أيضاً فَضْحٌ لِمَا كَانُوا يُسِرُّونَه مِنَ الخَوْفِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَقَّعَونَ أنْ يأمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللَّهِ بِقَتْلِهِمْ ، قال مقاتل : فكانوا متَى سَمِعُوا نُشْدَانَ ضالةٍ ، أو صِيَاحاً بأيِّ وَجْهِ ، أو أُخْبِرُوا بِنُزُولِ وَحْيٍ طَارَتْ عقُولُهم حتَى يسْكُنَ ذِلَك ويكونَ في غَيْرِ شأنهم ، ثم أخبرَ تعالى بأنهم همُ العدوُّ وحَذَّرَ منهم .

وقوله تعالى : { قاتلهم الله } دُعَاء يَتَضَمَّنُ الإقْصَاءَ والمُنَابَذَةَ لهم ، و{ أنى يُؤْفَكُونَ } معناهُ كَيْفَ يُصْرَفُونَ .