الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية وآياتها 12 .

قوله تعالى : { يا أيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ } الآية ، وفي الحديثِ مِنْ طُرُقٍ ما معناه ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جاءَ إلى بيتِ حَفْصَةَ ، فوجَدَها قد مرَّتْ لزيارةِ أبيهَا ، فَدَعَا صلى الله عليه وسلم جاريَتَهُ مَارِيَّةَ ، فَقَالَ مَعَها ، فَجَاءَتْ حَفْصَةُ وَقَالَت : يا نبيَّ اللَّه ! أفِي بَيْتِي وعلى فِرَاشِي ؟ فَقَالَ لَهَا صلى الله عليه وسلم : مترضِّياً لها : ( أيُرْضِيكِ أنْ أُحَرِّمَها ؟ ) قَالَتْ : نَعَمْ ؛ فقال : ( إنِّي قَدْ حَرَّمْتُهَا ) ، قال ابن عباس : وقالَ مَعَ ذلكَ : واللَّهِ ، لاَ أَطَؤُهَا أَبَداً ، ثم قال لها : ( لاَ تُخْبِرِي بِهَذَا أَحَداً ) ، ثم إنَّ حَفْصَةَ قَرَعَتْ الجِدَارَ الَّذِي بَيْنَهَا وَبْيْنَ عَائِشَةَ ، وَأَخْبَرَتْهَا لِتُسِرَّهَا بالأَمْرِ ، وَلَمْ تَرَ في إفْشَائِهِ إلَيْهَا حَرَجاً ، واستكتمتها ، فَأَوْحَى اللَّهُ بِذَلِكَ إلى نَبِيِّهِ ، ونزلَتِ الآيةُ ، وفي حديثٍ آخَرَ عن عائشةَ أنَّ هذا التحْرِيمَ المذكورَ في الآية ؛ إنَّما هُو بِسَبَبِ العَسَلِ الذي شَرِبَه صلى الله عليه وسلم عِنْدَ زينبَ بِنْتِ جَحْشٍ ، فَتَمالأتْ عائشةُ وحفصةُ [ وسَوْدَةُ ] عَلى أنْ تَقُولَ له ؛ مَنْ دَنَا مِنْهَا : إنّا نَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ ، أأكَلْتَ مَغَافِيرَ يَا رَسُولَ اللَّه ؟ والمَغَافِيرَ : صَمْغُ العُرْفُطِ ، وَهُوَ حُلْوٌ كَرِيهُ الرَّائِحَةِ ، فَفَعَلْنَ ذَلِكَ ، فَقَالَ رسولُ اللَّه : ( ما أَكَلْتُ مَغَافِيرَ ، وَلَكِنِّي شَرِبْتُ عَسَلاً ) ، فقلْنَ له : جَرَسَتْ نَحْلُهُ العُرْفُط ؟ فقال : صلى الله عليه وسلم : ( لاَ أشْرَبُه أبَداً ) ، وكانَ يَكْرَهُ أنْ تُوجَدَ مِنْهُ رَائحةٌ كَرِيهةٌ ، فدخلَ بعد ذلك على زينبَ فَقَالَتْ : أَلا أسْقِيكَ مِنْ ذَلِكَ العَسَلِ ؟ فَقَال : ( لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ ) ، قالتْ عائشةُ : تَقُولُ سَوْدَةُ حِينَ بَلَغَنَا امتناعه : وَاللَّهِ ، لَقَدْ حَرَمْنَاهُ ، فَقُلْتُ لَها : اسكتي ، قال ( ع ) : والقولُ الأوَّلُ أن الآيةِ نزلتْ بسبب مارية أصَحُّ وأوْضَحُ ، وعليه تَفَقَّه الناسُ في الآية ، ومَتَى حَرَّمَ الرَّجُلُ مَالاً أو جاريةً فليسَ تحريمُه بشيءٍ ، ( ت ) : والحديثُ الثَّانِي هو الصحيحُ خَرَّجَه البخاريُّ ومسلمُ وغيرهما ، ودَعَا اللَّهُ تعالى نبيَّه باسْم النبوَّةِ الذي هو دالٌّ على شَرَفِ مَنْزِلَتِه وَفَضِيلَتِه التي خَصَّهُ بِهَا ، وقرَّره تعالى كالمُعَاتِبِ له على تحريمِه عَلى نفسِه مَا أحلَّ اللَّهُ له ، ثم غَفَرَ لَه تَعَالَى مَا عَاتَبه فيه وحرمه .