فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المجادلة مدنية وآياتها ثنتان وعشرون

كلماتها : 493 ؛ حروفها : 1992 .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ( 1 ) } .

{ تجادلك } تحاجك وتناظرك ، وتقابل الحجة بالحجة .

{ تحاوركما } تراددكما في الكلام ، أو كلامكما المردد .

تحققوا أني سمعت قول المرأة التي كانت تحاجك يا محمد في شأن زوجها ، وما كان بينه وبينها ، وشكواها إليّ وجدها وبلاءها ، وشدت كربها إن فرق بينه وبينها ؛ وربكم المعبود يسمع تراددكما في سؤالها وجوابك ؛ إن الله ذا الجلال بالغ سمعه كل مسموع ، وبصره جل وعلا لا يغيب عن مرئي .

[ والذي في البخاري من هذا عن عائشة قالت : الحمد الله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله عز وجل : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } ]{[6357]} .

وقال الماوردي : هي خولة بنت ثعلبة ، وقيل : بنت خويلد ، وليس هذا بمختلف ، لأن أحدهما أبوها والآخر جدها فنسبت إلى كل واحد منهما ؛ وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت .

[ وروى الحسن{[6358]} : أنها قالت : يا رسول الله ! قد نسخ الله سنن الجاهلة وإن زوجي ظاهر مني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أوحى إلي في هذا شيء ) فقالت : يا رسول الله ! أوحى إليك في كل شيء وطوى عنك هذا ؟ فقال : ( هو ما قلت لك ) فقالت : إلى الله أشكو لا إلى رسوله ؛ فأنزل الله : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله } الآية . ]

ألا ما أعظم فضل الله تعالى ، وأجزل عطاءه ، وما أحكم شرعه ! امرأة تظهر بثها ، وتذكر همها وغمها ، وحزنها أن تفارق زوجها ، من أجل كلمة قالها ، فيستجيب الملك المهيمن ويفرج كربها ، وتبقى آيات الله تعالى مسجلة شرفها ، وسماحة الإسلام الذي صان حقها ، ورفع ذكرها ! .

فهل يعلم الذين يفترون على ديننا – سفها بغير علم- أن الله شرع لنا أقوم منهاج وأكرم سبيل ؟ وهل تعتبر النساء اللائي يخدعن عن الحق ، ويصرفن عن الرشد ، ويزخرف لهن القول أن الانفلات من الدين تحرير للمرأة ؟ ! ألا فليحذرن الأبالسة ، وخداع المضلين ، وليستقمن على صراط الله البر الرحيم ، فإنه عز الدنيا وسعادة الآخرة { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون }{[6359]} .

مما أورد ابن حاتم{[6360]} -بسنده- عن جرير بن حازم قال : سمعت أبا زيد يحدث قال : لقيت امرأة عمر ؛ يقال لها خولة بنت ثعلبة ، وهو يسير مع الناس ، فاستوقفته فوقف لها ودنا منها وأصغى{[6361]} إليها رأسه حتى قضت حاجتها وانصرفت ؛ فقال له رجل : يا أمير المؤمنين ! حبست رجالات قريش على هذه العجوز ! قال : ويحك ! أو تدري من هذه ؟ قال : لا ! قال : هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات ! هذه خولة بنت ثعلبة ، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت عنها حتى تقضي حاجتها إلا أن تحضر صلاة فأصليها ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها .

وأورد القرطبي قريبا من هذا قال : وقد مر بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته- والناس معه- على حمار ، فاستوقفته طويلا ووعظته وقالت : يا عمر ! قد كنت تدعى عميرا ، ثم قيل لك عمر ، ثم قيل لك أمير المؤمنين ؛ فاتق الله يا عمر ؛ فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت ، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب ؛ وهو واقف يسمع كلامها ؛ فقيل له : يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف ؟ ! فقال : والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زالت إلا للصلاة المكتوبة ، أتدرون من هذه العجوز ؟ هي خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سماوات ، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر ؟ ! .


[6357]:- ما بين العلامتين [ ]أورده القرطبي ج 17 ص 270. قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها}.
[6358]:- وأورد ابن كثير رواية عن عائشة أنها قالت: تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول؛ يا رسول الله! أكل مالي وأفنى شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهراني، اللهم إني أشكو إليك.
[6359]:- سورة النحل: الآية 97.
[6360]:- نقل قريبا من هذا عنه ابن كثير
[6361]:- أمال.