{ والذين يظاهرون من نسائكم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير ( 3 ) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم ( 4 ) } .
ومن يظاهر من زوجته{[6362]} ، ثم يعزم على العود للاستمتاع بها ، فليحرر عبدا مملوكا يعتقه ويطلقه ليصير حرا من قبل أن يستمتع بمن ظاهر منها أو تستمتع به ، فإن عجز من الوفاء بتلك الكفارة – لعدم وجود عبيد ، أو وجدوا ولكن لم يجد ثمن من يطلب إليه إعتاقه- فعليه أن يكفر بصيام شهرين متتابعين من قبل أن يستمتع المظاهر بمن ظاهر منها أو تستمتع به ، فإن لم يستطع الصوم فكفارته إطعام ستين مسكينا ؛ ذلك الذي شرع الله لكم من الكفارة يراد به أن تتذكروا قبح الظهار ونكره ، وزوره ووزره ، فيكون معتبرا لكم ومزدجرا ؛ وليكون التصديق بالله الحكيم ومنهاجه ، والاتباع لوحيه وبيان رسوله ، برهان يقينكم ، وعلامة تقديس دينكم ، وتمام إسلامكم ؛ ولمن لم يؤمن بكلمات ربه ، ولم يقف عند حدود دينه ، ولم يذعن لشرع مولاه ؛ لمن جحد ذلك أو لم ينقد له عذاب موجع ، وألم دائم .
يقول أصحاب الإعراب : { والذين } : مبتدأ ؛ وجملة : { فتحرير رقبة } مبتدأ آخر خبره مقدر ، أي فعليهم تحرير رقبة ، أو خبر مبتدأ مقدر ، أي : فالواجب عليهم تحرير رقبة ؛ وعلى كل فالجملة خبر الموصول- { والذين }- ودخلت الفاء على قول الله سبحانه : { فتحرير } لتضمن المبتدأ معنى الشرط .
[ نقل ابن كثير عن الإمام أحمد –بسنده- عن خويلة{[6363]} بنت ثعلبة قالت : في والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله سورة المجادلة . قالت : كنت عنده{[6364]} وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه ؛ قالت : فدخل علي يوما فراجعته بشيء فغضب فقال : أنت علي كظهر أمي ؛ قالت : ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل علي فإذا هو يريدني عن نفسي{[6365]} ، قالت : قلت كلا ، والذي نفس خويلة بيده لا تخلص{[6366]} إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه ، قالت : " فواثبني{[6367]} فامتنعت عليه فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عني ، قالت : ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابا ، ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت منه ، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه ، قالت : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه ) . قالت : فوالله ما برحت حتى نزل فيّ قرآن ، فتغشى{[6368]} رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه ، ثم سري عنه ، فقال لي : ( يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا ) ثم قرأ علي : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير } إلى قوله تعالى : { وللكافرين عذاب أليم } قالت : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مريه فليعتق رقبة ) قالت : فقلت يا رسول الله ! ما عنده ما يعتق ؛ قال : ( فليصم شهرين متتابعين ) قالت : فقلت : والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام ؛ قال : ( فليطعم ستين مسكينا وسقا{[6369]} من تمر ) ؛ قالت : فقلت : يا رسول الله ! ماذاك عنده ؛ قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فإنا سنعينه بفرق{[6370]} من تمر ) قالت : فقلت يا رسول الله وأنا سأعينه بفرق آخر ؛ قال : ( وقد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيرا ) . قالت : ففعلت ] .
مما أورد القرطبي في الجامع لأحكام القرآن- وقد أورد من آراء الفقهاء فيما استنبطوه من الآيات الأربع قريبا من عشرين صفحة- يقول : { وإن الله لعفو غفور } إذ جعل الكفارة عليهم مخلصة لهم من هذا القول المنكر . . . { ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله } أي : ذلك الذي وصفنا من التغليظ في الكفارة{[6371]} { لتؤمنوا } أي لتصدقوا أن الله أمر به . . . لئلا تعودوا للقول المنكر والزور ، بل تدعوهما طاعة لله سبحانه وتعالى إذ قد حرمهما ، ولتجتنبوا المظاهر منها إلى أن تكفروا . . . فتكونوا بهذا كله مؤمنين بالله ورسوله ، لأنها حدود تحفظونها ، وطاعات تؤدونها ، والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم إيمان . . . { وتلك حدود الله } بين معصيته وطاعته ؛ فمعصيته الظهار ، وطاعته الكفارة { وللكافرين عذاب أليم } أي لمن لم يصدق بأحكام الله تعالى عذاب جهنم . اه .
جاء في [ روح المعاني . . ] : { والله بما تعملون } من الأعمال كالتكفير وما يوجبه من جناية الظهار { خبير } أي عالم بظواهرها وبواطنها ومجازيكم بها ، فحافظوا على حدود ما شرع لكم ، ولا تخلوا بشيء منها . . . { لتؤمنوا بالله ورسوله } وتعملوا بشرائعه التي شرعها لكم ، وترفضوا ما كنتم عليه في جاهليتكم { وتلك } الأحكام المذكورة { حدود الله } لا يجوز تعديها ، فالزموها وقفوا عندها { وللكافرين } الذي يتعدونها ولا يعملون بها { عذاب أليم } على كفرهم ؛ وأطلق الكافر على متعدي الحدود تغليظا لزجره ؛ ونظير ذلك قوله تعالى : { . . . ومن كفر فإن الله غني عن العالمين }{[6372]} . اه
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.