قوله تعالى : " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم " أي عهدهم على الوفاء بما حملوا ، وأن يبشر بعضهم ببعض ، ويصدق بعضهم بعضا ، أي كان مسطورا حين كتب الله ما هو كائن ، وحين أخذ الله تعالى المواثيق من الأنبياء . " ومنك " يا محمد " ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم " وإنما خص هؤلاء الخمسة وإن دخلوا في زمرة النبيين تفضيلا لهم . وقيل : لأنهم أصحاب الشرائع والكتب ، وأولو العزم من الرسل وأئمة الأمم . ويحتمل أن يكون هذا تعظيما في قطع الولاية بين المسلمين والكافرين ، أي هذا مما لم تختلف فيه الشرائع ، أي شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . أي كان في ابتداء الإسلام توارث بالهجرة ، والهجرة سبب متأكد في الديانة ، ثم توارثوا بالقرابة مع الإيمان وهو سبب وكيد ، فأما التوارث بين مؤمن وكافر فلم يكن في دين أحد من الأنبياء الذين أخذ عليهم المواثيق ، فلا تداهنوا في الدين ولا تمالئوا الكفار . ونظيره : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا " إلى قوله " ولا تتفرقوا فيه " {[12718]} [ الشورى : 13 ] . ومن ترك التفرق في الدين ترك موالاة الكفار . وقيل : أي النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كان ذلك في الكتاب مسطورا ومأخوذا به المواثيق من الأنبياء . " وأخذنا منهم ميثاقا غليظا " أي عهدا وثيقا عظيما على الوفاء بما التزموا من تبليغ الرسالة ، وأن يصدق بعضهم بعضا . والميثاق هو اليمين بالله تعالى ، فالميثاق الثاني تأكيد للميثاق الأول باليمين . وقيل : الأول هو الإقرار بالله تعالى ، والثاني في أمر النبوة . ونظير هذا قوله تعالى : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري " {[12719]} [ آل عمران : 81 ] الآية . أي أخذ عليهم أن يعلنوا أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعلن محمد صلى الله عليه وسلم أن لا نبي بعده . وقدم محمدا في الذكر لما روى قتادة عن الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح " قال : ( كنت أولهم في الخلق وآخرهم في البعث ) . وقال مجاهد : هذا في ظهر آدم عليه الصلاة والسلام .
ولما كان نقض العوائد وتغيير المألوفات مما يشق كثيراً على النفوس ، ويفرق المجتمعين ، ويقطع بين المتواصلين ، ويباعد بين المتقاربين ، قال مذكراً له صلى الله عليه وسلم بما أخذ على من قبله من نسخ أديانهم بدينه ، وتغيير مألوفاتهم بإلفه ، ومن نصيحة قومهم بإبلاغهم كل ما أرسلوا به ، صارفاً القول إلى مظهر العظمة لأنه أدعى إلى قبول الأوامر : { وإذا } فعلم أن التقدير : {[55090]}اذكر ذلك - أي ما سطرناه لك{[55091]} قبل هذا في كتابك ، واذكر إذ { أخذنا } بعظمتنا { من النبيين ميثاقهم } في تبليغ الرسالة في المنشط والمكره ، وفي تصديق بعضهم لبعض ، وفي اتباعك فيما أخبرناك به في قولنا
{ لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه }[ آل عمران : 81 ] وقولهم : أقررنا .
ولما ذكره ما أخذ على جميع الأنبياء من العهد في تغيير مألوفاتهم إلى ما يأمرهم سبحانه به{[55092]} من إبلاغ ما يوحى إليهم والعمل بمقتضاه ، ذكره ما أخذ عليه من العهد في التبليغ فقال : { ومنك } أي في قولنا في هذه السورة { اتق الله واتبع ما يوحى إليك } وفي المائدة
{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس }[ المائدة : 67 ] فلا تهتم بمراعاة عدو ولا خليل حقير ولا جليل ، ولما{[55093]} أتم المراد إجمالاً وعموماً ، وخصه صلى الله عليه وسلم من ذلك العموم مبتدئاً به بياناً لتشريفه ولأنه المقصود بالذات بالأمر بالتقوى واتباع الوحي لأجل التبني وغيره ، أتبعه بقية أولي العزم{[55094]} الذين هم أصحاب الكتب ومشاهير أرباب الشرائع ، تأكيداً للأمر وتعظيماً للمقام ، لأن من علم له شركاً في أمر اجتهد في سبقه فيه ، ورتبهم على ترتيبهم في الزمان لأنه لم يقصد المفاضلة{[55095]} بينهم ، بل التآسية بالمتقدمين والمتأخرين فقال : { ومن نوح } أول الرسل إلى المخالفين { وإبراهيم } أبي الأنبياء { وموسى } أول أصحاب الكتب من أنبياء بني إسرائيل { وعيسى ابن مريم } ختامهم ، نسبه{[55096]} إلى أمه مناداة على من ضلَّ فيه بالتوبيخ والتسجيل بالفضيحة ؛ ثم زاد في تأكيد الأمر وتعظيمه تعظيماً للموثق فيه ، وإشارة إلى مشقته ، فقال مؤكداً بإعادة العامل ومظهر العظمة لصعوبة{[55097]} الرجوع عن المالوف : { وأخذنا منهم } أي بعظمتنا في ذلك { ميثاقا غليظاً } استعارة من وصف الأجرام العظام كناية عن{[55098]} أنه لا يمكن قطعه لمن أراد الوصلة بنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.