الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِكُم مَّعۡرُوفٗاۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا} (6)

{ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } إذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي صلى الله عليه وسلم أولى { وأزواجه أمهاتهم } في حرمة نكاحهن عليهم { وأولو الأرحام } والأقارب { بعضهم أولى ببعض } في الميراث { في كتاب الله } في حكمه { من المؤمنين والمهاجرين } وذلك أنهم كانوا في ابتداء الإسلام يرثون بالإيمان والهجرة { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } لكن إن يوصوا لهم بشيء من الثلث فهو جائز { كان ذلك في الكتاب مسطورا } كان هذا الحكم في اللوح المحفوظ مكتوبا

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِكُم مَّعۡرُوفٗاۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا} (6)

فيه تسع مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " هذه الآية أزال الله تعالى بها أحكاما كانت في صدر الإسلام . منها : أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على ميت عليه دين ، فلما فتح الله عليه الفتوح قال : ( أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه ، ومن ترك مالا فلورثته ) أخرجه الصحيحان . وفيهما أيضا ( فأيكم ترك دينا أو ضياعا فأنا مولاه ) . قال ابن العربي : فانقلبت الآن الحال بالذنوب ، فإن تركوا مالا ضويق العصبة فيه ، وإن تركوا ضياعا أسلموا إليه ، فهذا تفسير الولاية المذكورة في هذه الآية بتفسير النبي صلى الله عليه وسلم وتنبيهه . ( ولا عطر بعد عروس ) . قال ابن عطية : وقال بعض العلماء العارفين هو أولى بهم من أنفسهم ؛ لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك ، وهو يدعوهم إلى النجاة . قال ابن عطية : ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام : ( أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقحم الفراش ) .

قلت : هذا قول حسن في معنى الآية وتفسيرها ، والحديث الذي ذكر أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه{[12707]} وأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقحمون فيه ) . وعن جابر مثله ، وقال : ( وأنتم تفلتون من يدي ) . قال العلماء : الحجزة للسراويل ، والمعقد للإزار ، فإذا أراد الرجل إمساك من يخاف سقوطه أخذ بذلك الموضع منه . وهذا مثل لاجتهاد نبينا عليه الصلاة والسلام في نجاتنا ، وحرصه على تخلصنا من الهلكات التي بين أيدينا ، فهو أولى بنا من أنفسنا ، ولجهلنا بقدر ذلك وغلبة شهواتنا علينا وظفر عدونا اللعين بناصرنا أحقر من الفراش وأذل من الفراش ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ! وقيل : أولى بهم أي أنه إذا أمر بشيء ودعت النفس إلى غيره كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم أولى . وقيل أولى بهم أي هو أولى بأن يحكم على المؤمنين فينفذ حكمه في أنفسهم ، أي فيما يحكمون به لأنفسهم مما يخالف حكمه .

الثانية- قال بعض أهل العلم : يجب على الإمام أن يقضي من بيت المال دين الفقراء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه قد صرح بوجوب ذلك عليه حيث قال : ( فعلي قضاؤه ) . والضياع ( بفتح الضاد ) مصدر ضاع ، ثم جعل اسما لكل ما هو بصدد أن يضيع من عيال وبنين لا كافل لهم ، ومال لا قيم له . وسميت الأرض ضيعة لأنها معرضة للضياع ، وتجمع ضياعا بكسر الضاد .

الثالثة- قوله تعالى : " وأزواجه أمهاتهم " شرف الله تعالى أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين ، أي في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال ، وحجبهن رضي الله تعالى عنهن بخلاف الأمهات . وقيل : لما كانت شفقتهن عليهم كشفقة الأمهات أنزلن منزلة الأمهات ، ثم هذه الأمومة لا توجب ميراثا كأمومة التبني . وجاز تزويج بناتهن ، ولا يجعلن أخوات للناس . وسيأتي عدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آية التخيير{[12708]} إن شاء الله تعالى . واختلف الناس هل هن أمهات الرجال والنساء أم أمهات الرجال خاصة ، على قولين : فروى الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت لها : يا أمة ، فقالت لها : لست لك بأم ، إنما أنا أم رجالكم . قال ابن العربي : وهو الصحيح .

قلت : لا فائدة في اختصاص الحصر في الإباحة للرجال دون النساء ، والذي يظهر لي أنهن أمهات الرجال والنساء ؛ تعظيما لحقهن على الرجال والنساء . يدل عليه صدر الآية : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ، وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورة . ويدل على ذلك حديث أبي هريرة وجابر ، فيكون قوله : " وأزواجه أمهاتهم " عائدا إلى الجميع . ثم إن في مصحف أبي بن كعب " وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " . وقرأ ابن عباس : " من أنفسهم وهو أب لهم [ وأزواجه أمهاتهم ]{[12709]} " . وهذا كله يوهن ما رواه مسروق إن صح من جهة الترجيح ، وإن لم يصح فيسقط الاستدلال به في التخصيص ، وبقينا على الأصل الذي هو العموم الذي يسبق إلى الفهوم{[12710]} . والله أعلم .

الرابعة- قوله تعالى : " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين " قيل : إنه أراد بالمؤمنين الأنصار ، وبالمهاجرين قريشا . وفيه قولان : أحدهما : أنه ناسخ للتوارث بالهجرة . حكى سعيد عن قتادة قال : كان نزل في سورة الأنفال " والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء يهاجروا " {[12711]} [ الأنفال : 72 ] فتوارث المسلمون بالهجرة ، فكان لا يرث الأعرابي المسلم من قريبه المسلم المهاجر شيئا حتى يهاجر ، ثم نسخ ذلك في هذه السورة بقوله : " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض " . الثاني : أن ذلك ناسخ للتوارث بالحلف والمؤاخاة في الدين ، روى هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير : " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا ، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان ، فآخيناهم فأورثونا وأورثناهم ، فآخى أبو بكر خارجة بن زيد ، وآخيت أنا كعب بن مالك ، فجئت فوجدت السلاح قد أثقله ، فوالله لقد مات عن الدنيا ما ورثه غيري ، حتى أنزل الله تعالى هذه الآية فرجعنا إلى موارثنا . وثبت عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين الزبير وبين كعب بن مالك ، فارتث{[12712]} كعب يوم أحد فجاء الزبير يقوده بزمام راحلته ، فلو مات يومئذ كعب عن الضح{[12713]} والريح لورثه الزبير ، فأنزل الله تعالى : " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " . فبين الله تعالى أن القرابة أولى من الحلف ، فتركت الوراثة بالحلف وورثوا بالقرابة . وقد مضى في " الأنفال " {[12714]} الكلام في توريث ذوي الأرحام . وقوله : " في كتاب الله " يحتمل أن يريد القرآن ، ويحتمل أن يريد اللوح المحفوظ الذي قضى فيه أحوال خلقه . و " من المؤمنين " متعلق ب " أولى " لا بقوله : " وأولو الأرحام " بالإجماع ؛ لأن ذلك كان يوجب تخصيصا ببعض المؤمنين ، ولا خلاف في عمومها ، وهذا حل إشكالها . قاله ابن العربي . النحاس : " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين " يجوز أن يتعلق " من المؤمنين " ب " أولو " فيكون التقدير : وأولو الأرحام من المؤمنين والمهاجرين . ويجوز أن يكون المعنى أولى من المؤمنين . وقال المهدوي : وقيل إن معناه : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إلا ما يجوز لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعين أمهات المؤمنين . والله تعالى أعلم .

الخامسة- واختلف في كونهن كالأمهات في المحرم وإباحة النظر ، على وجهين : أحدهما : هن محرم ، لا يحرم النظر إليهن . الثاني : أن النظر إليهن محرم ؛ لأن تحريم نكاحهن إنما كان حفظا لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهن ، وكان من حفظ حقه تحريم النظر إليهن ؛ ولأن عائشة رضي الله عنها كانت إذا أرادت دخول رجل عليها{[12715]} أمرت أختها أسماء أن ترضعه ليصير ابنا لأختها من الرضاعة ، فيصير محرما يستبيح النظر . وأما اللاتي طلقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته فقد اختلف في ثبوت هذه الحرمة لهن على ثلاثة أوجه : أحدها : ثبتت لهن هذه الحرمة تغليبا لحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم . الثاني : لا يثبت لهن ذلك ، بل هن كسائر النساء ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أثبت عصمتهن ، وقال : ( أزواجي في الدنيا هن أزواجي في الآخرة ) . الثالث : من دخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم منهن ثبتت حرمتها وحرم نكاحها وإن طلقها ؛ حفظا لحرمته وحراسة لخلوته . ومن لم يدخل بها لم تثبت لها هذه الحرمة ، وقد هم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه برجم امرأة فارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجت فقالت : لم هذا ! وما ضرب علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حجابا ولا سميت أم المؤمنين ، فكف عنها عمر رضي الله عنه .

السادسة- قال قوم : لا يجوز أن يسمى النبي صلى الله عليه وسلم أبا لقوله تعالى : " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم " [ الأحزاب : 40 ] . ولكن يقال : مثل الأب للمؤمنين ، كما قال : ( إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم . . . ) الحديث . خرجه أبو داود . والصحيح أنه يجوز أن يقال : إنه أب للمؤمنين ، أي في الحرمة ، وقوله تعالى : " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم " [ الأحزاب : 40 ] أي في النسب . وسيأتي . وقرأ ابن عباس : " من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه " . وسمع عمر هذه القراءة فأنكرها وقال : حكمها يا غلام ؟ فقال : إنها في مصحف أبي ، فذهب إليه فسأله فقال له أبي : إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق{[12716]} بالأسواق ؟ وأغلظ لعمر . وقد قيل في قول لوط عليه السلام " هؤلاء بناتي " {[12717]} [ الحجر : 71 ] : إنما أراد المؤمنات ، أي تزوجوهن . وقد تقدم .

السابعة- قال قوم : لا يقال بناته أخوات المؤمنين ، ولا أخوالهن أخوال المؤمنين وخالاتهم . قال الشافعي رضي الله عنه : تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر الصديق وهي أخت عائشة ، ولم يقل هي خالة المؤمنين . وأطلق قوم هذا وقالوا : معاوية خال المؤمنين ، يعني في الحرمة لا في النسب .

الثامنة- قوله تعالى : " إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا " يريد الإحسان في الحياة ، والوصية عند الموت ، أي إن ذلك جائز . قاله قتادة والحسن وعطاء . وقال محمد ابن الحنفية ، نزلت في إجازة الوصية لليهودي والنصراني ، أي يفعل هذا مع الولي والقريب وإن كان كافرا ، فالمشرك ولي في النسب لا في الدين فيوصى له بوصية . واختلف العلماء هل يجعل الكافر وصيا ، فجوز بعض ومنع بعض . ورد النظر إلى السلطان في ذلك بعض ، منهم مالك رحمه الله تعالى . وذهب مجاهد وابن زيد والرماني إلى أن المعنى : إلى أوليائكم من المؤمنين . ولفظ الآية يعضد هذا المذهب ، وتعميم الولي أيضا حسن . وولاية النسب لا تدفع الكافر ، وإنما تدفع أن يلقى إليه بالمودة كولي الإسلام .

التاسعة- " كان ذلك في الكتاب مسطورا " " الكتاب " يحتمل الوجهين المذكورين المتقدمين في " كتاب الله " . و " مسطورا " من قولك سطرت الكتاب إذا أثبته أسطارا . وقال قتادة : أي مكتوبا عند الله عز وجل ألا يرث كافر مسلما . قال قتادة : وفي بعض القراءة " كان ذلك عند الله مكتوبا " . وقال القرظي : كان ذلك في التوراة .


[12707]:مرجع الضمير في هذه الرواية المستوقد المفهوم من الكلام.
[12708]:راجع ص 164 من هذا لجزء.
[12709]:ما بين المربعين زيادة يقتضيها السياق، ليست في نسخ الأصل.
[12710]:كذا في ج. وفي ك:" الفهم". وفي ش:" المفهوم".
[12711]:راجع ج 8 ص 55 فما بعد.
[12712]:الارتثاث: أن يحمل الجريح من المعركة وهو ضعيف قد أثخنته الجراح.
[12713]:الضح (بالكسر): ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض. أراد لو مات عما طلعت عليه الشمس وجرت عليه الريح، وكنى بهما عن كثرة المال.
[12714]:راجع ج 8 ص 59.
[12715]:راجع ج 5 ص 109 و ج ص 154 شرح الموطأ.
[12716]:الصفق: التبايع.
[12717]:راجع ج 9 ص 76 فما بعد.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَأَزۡوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمۡۗ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفۡعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِكُم مَّعۡرُوفٗاۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَسۡطُورٗا} (6)

ولما نهى سبحانه عن التبني ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبنى زيد بن حارثة مولاه{[55054]} لما اختاره على أبيه وأمه{[55055]} ، علل سبحانه النهي فيه بالخصوص بقوله دالاً على أن الأمر أعظم من ذلك : { النبي } أي{[55056]} الذي ينبئه الله بدقائق الأحوال في بدائع الأقوال ، ويرفعه دائماً في مراقي الكمال ، ولا يريد أن يشغله بولد ولا مال { أولى بالمؤمنين } أي الراسخين في الإيمان ، فغيرهم أولى في{[55057]} كل شيء من أمور الدين والدنيا لما حازه من الحضرة الربانية { من أنفسهم } فضلاً عن آبائهم في{[55058]} نفوذ حكمه فيهم ووجوب طاعته عليهم ، لأنه لا يدعوهم إلا إلى العقل والحكمة ، ولا يأمرهم إلا بما ينجيهم ، وأنفسهم إنما تدعوهم إلى الهوى والفتنة فتأمرهم بما يرديهم ، فهو يتصرف فيهم{[55059]} تصرف الآباء بل الملوك{[55060]} بل{[55061]} أعظم بهذا السبب الرباني ، فأيّ حاجة له{[55062]} إلى السبب{[55063]} الجسماني { وأزواجه } أي اللاتي دخل بهن لما لهن من حرمته { أمهاتهم } أي المؤمنين{[55064]} من الرجال خاصة دون النساء ، لأنه لا محذور من جهة النساء ، وذلك في الحرمة والإكرام ، والتعظيم والاحترام ، وتحريم النكاح دون جواز الخلوة والنظر وغيرهما من الأحكام ، والتعظيم بينهن وبين الأمهات في ذلك أصلاً ، فلا يحل انتهاك حرمتهن بوجه ولا الدنو من جنابهن بنوع نقص ، لأن حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته أعظم من حق الوالد على ولده ، وهو حي في قبره و{[55065]} هذا أمر جعله الله {[55066]}وهوالذي إذا جعل شيئاً كان{[55067]} ، لأن الأمر أمره والخلق خلقه{[55068]} ، وهو العالم بما يصلحهم وما يفسدهم

{ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير }[ الملك : 14 ] روى الشيخان{[55069]} عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه{[55070]} قال : " ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة ، اقرؤوا إن شئتم { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } فأيما مؤمن ترك مالاً{[55071]} فلترثه عصبته من كانوا ، فإن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني وأنا مولاه " .

ولما رد الله سبحانه الأشياء إلى أصولها ، ونهى عن التشتت والتشعب ، وكان من ذلك أمر التبني ، وكان من المتفرع عليه الميراث بما كان قديماً من الهجرة والنصرة والأخوة التي قررها النبي صلى الله عليه وسلم لما كان الأمر{[55072]} محتاجاً إليها ، وكان ذلك قد نسخ بالآية{[55073]} التي في آخر الأنفال ، وهي قبل هذه السورة ترتيباً ونزولاً ، وكان ما ذكر هنا فرداً داخلاً في عموم العبارة{[55074]} في تلك الآية{[55075]} ، أعادها منا{[55076]} تأكيداً وتنصيصاً على هذا الفرد للاهتمام به مع ما فيها من تفصيل وزيادة فقال : { و{[55077]} أولوا الأرحام } أي القرابات بأنواع النسب من النبوة وغيرها{[55078]} { بعضهم أولى } بحق القرابة { ببعض } في جميع المنافع العامة للدعوة والإرث والنصرة والصلة { في كتاب الله } أي قضاء الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه ، وحكمه كما تقدم في كتابكم هذا ، وكما أشار إليه الحديث الماضي آنفاً .

ولما بين أنهم أولى بسبب القرابة ، بين المفضل عليه فقال : { من } أي هم أولى بسبب القرابة من { المؤمنين }{[55079]} الأنصار{[55080]} من غير{[55081]} قرابة مرجحة { والمهاجرين } المؤمنين من غير قرابة{[55082]} كذلك ، ولما كان المعنى : أولى{[55083]} في{[55084]} كل نفع ، استثنى منه على القاعدة الاستثناء من أعم العام قوله ، لافتاً النظم إلى أسلوب الخطاب ليأخذ المخاطبون منه أنهم متصفون بالرسوخ في الإيمان الذي مضى ما دل عليه في آية الأولوية من التعبير بالوصف ، فيحثهم ذلك على فعل المعروف : { إلا أن تفعلوا } أي{[55085]} حال كونكم موصلين ومسندين { إلى أوليائكم } بالرق أو التبني{[55086]} أو الحلف في الصحة مطلقاً وفي المرض من الثلث تنجيراً أو وصية { معروفاً } تنفعونهم{[55087]} به ، فيكون حينئذ ذلك الولي مستحقاً لذلك ، ولا يكون ذو الرحم أولى منه ، بل لا وصية لوارث .

ولما أخبر أن هذا الحكم في كتاب الله ، أعاد التنبيه على ذلك تأكيداً قلعاً لهذا الحكم الذي تقرر في الأذهان بتقريره سبحانه فيما مضى فقال مستأنفاً : { كان ذلك } أي الحكم العظيم { في الكتاب } أي القرآن في آخر سورة الأنفال { مسطوراً * } بعبارة تعمه ، قال الأصبهاني{[55088]} : وقيل : في التوراة ، لأن في التوراة : إذا نزل رجل بقوم من أهل دينه فعليهم أن يكرموه ويواسوه ، وميراثه لذوي قرابته ، فالآية من الاحتباك : أثبت وصف الإيمان أولاً دليلاً على حذفه ثانياً و{[55089]} وصف الهجرة ثانياً دليلاً على حذف النصرة أولاً .


[55054]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مولا.
[55055]:في ظ وم ومد: عمه.
[55056]:سقط من ظ.
[55057]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: من.
[55058]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: "و".
[55059]:زيد من ظ وم ومد.
[55060]:من م، وفي الأصل وظ ومد: الملاك.
[55061]:زيد من ظ وم ومد.
[55062]:سقط من ظ.
[55063]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: التسبب.
[55064]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: المؤمنون.
[55065]:سقط من ظ وم ومد.
[55066]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55067]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[55068]:زيد من ظ وم ومد.
[55069]:في ظ وم ومد: البخاري، والحديث أخرجه البخاري واللفظ له في كتاب التفسير من صحيحه، وأخرجه مسلم في الفرائض من صحيحه ـ راجع 2/36.
[55070]:سقط من ظ وم ومد.
[55071]:من ظ وم ومد والصحيحن، وفي الأصل: ما له.
[55072]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أمرا.
[55073]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الآية.
[55074]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الآية.
[55075]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: العبارة.
[55076]:زيد من ظ وم ومد.
[55077]:ليس في الأصل فقط.
[55078]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: غيرهم.
[55079]:زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[55080]:زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ وم ومد فحذفناها.
[55081]:زيد من ظ وم ومد.
[55082]:زيد في ظ: المهاجرين.
[55083]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أدل.
[55084]:سقط من ظ.
[55085]:زيد من ظ وم ومد.
[55086]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالتبني.
[55087]:في ظ: ينفعونكم.
[55088]:في ظ: الأصفهاني.
[55089]:سقط من ظ.