قوله تعالى : " وأن لو استقاموا على الطريقة " هذا من قول الله تعالى . أي لو آمن هؤلاء الكفار لوسعنا عليهم في الدنيا وبسطنا لهم في الرزق . وهذا محمول على الوحي ، أي أوحى إلي أن لو استقاموا . ذكر ابن بحر : كل ما في هذه السورة من " إن " المكسورة المثقلة فهي حكاية لقول الجن الذين استمعوا القرآن ، فرجعوا إلى قومهم منذرين ، وكل ما فيها من أن المفتوحة المخففة فهي وحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ابن الأنباري : ومن كسر الحروف وفتح " وأن لو استقاموا " أضمر يمينا تاما ، تأويلها : والله أن لو استقاموا على الطريقة ؛ كما يقال في الكلام : والله أن قمت لقمت ، ووالله لو قمت قمت ، قال الشاعر :
أما والله أن لو كنت حُرًّا *** وما بالحُرِّ أنت ولا العَتِيقِ
ومن فتح ما قبل المخففة نسقها - أعني الخفيفة - على " أوحي إلي أنه " ، " وأن لو استقاموا " أو على " آمنا به " وبأن لو استقاموا{[15463]} . ويجوز لمن كسر الحروف كلها إلى " أن " المخففة ، أن يعطف المخففة على " أوحي إلي " أو على " آمنا به " ، ويستغني عن إضمار اليمين . وقراءة العامة بكسر الواو من " لو " لالتقاء الساكنين ، وقرأ ابن وثاب والأعمش بضم الواو . و " ماء غدقا " أي واسعا كثيرا ، وكانوا قد حبس عنهم المطر سبع سنين ؛ يقال : غدقت العين تغدق ، فهي غدقة ، إذا كثر ماؤها . وقيل : المراد الخلق كلهم أي " لو استقاموا على الطريقة " طريقة الحق والإيمان والهدى وكانوا مؤمنين مطيعين " لأسقيناهم ماء غدقا " أي كثيرا
{ وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا } الماء الغدق الكثير وذلك استعارة في توسيع الرزق والطريقة هي طريقة الإسلام وطاعة الله فالمعنى : لو استقاموا على ذلك لوسع الله أرزاقهم فهو كقوله : { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } [ الأعراف : 96 ] وقيل : هي طريقة الكفر والمعنى على هذا لو استقاموا على الكفر لوسع الله عليهم في الدنيا أملاكهم استدراجا ويؤيد هذا قوله : { لنفتنهم فيه } [ طه : 131 ] والأول أظهر ، والضمير في { استقاموا } يحتمل أن يكون للمسلمين أو للقاسطين المذكورين أو لجميع الجن أو للجن الذين سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم أو لجميع الخلق .
ولما رغب ورهب سبحانه على ألسنة الجن بما هداهم له ونور قلوبهم به ، وكانت الآية السالفة آخر ما حكى عنهم ، وكان التقدير : أوحي إلي أن القاسطين من قومي وغيرهم لو آمنوا فعل بهم من الخير{[69148]} ما فعل بمؤمني الجني حين آمنوا ، فأغناهم الله في الدنيا بحلاله عن حرامه من غير كلفة فكسا لهم كل عظم لقوه لحماً أوفر ما كان ، وأعاد لهم كل روث{[69149]} رأوه أحسن ما كان ببركة هذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم{[69150]} التسليم { وأن } أي وأوحي إليّ أن{[69151]} الشأن العظيم { لو استقاموا } أي{[69152]} طلب القاسطون من الخلق كلهم الجن والإنس القوم وأوجدوه ، كائنين { على الطريقة } أي{[69153]} التي لا طريقة غيرها {[69154]}وهي{[69155]} التي فهمها الجن من القرآن من {[69156]}الإسلام والإقساط{[69157]} المؤدية إلى الفلاح في الدارين .
ولما كان الماء{[69158]} أصل كل خير كما قال تعالى في قصة نوح عليه الصلاة والسلام
{ يرسل السماء عليكم مدراراً }[ نوح : 11 ] وكان منه كل شيء حيّ وكان عزيزاً عند العرب ، قال معظماً له بالالتفات{[69159]} إلى مظهر العظمة : { لأسقيناهم } أي جعلنا لهم بما عندنا من العظمة { ماء غدقاً * } أي كثيراً عظيماً عظيم النفع {[69160]}نكثر به{[69161]} الرزق ونزين به الأرض ونرغد به العيش .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.