الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى} (1)

مقدمة السورة:

مكية وهي تسع عشر آية

{ سبح اسم ربك الأعلى } نزه ذات ربك من السوء وقيل معناه قل سبحان ربي الأعلى

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى} (1)

مقدمة السورة:

مكية في قول الجمهور . وقال الضحاك : مدنية . وهي تسع عشرة آية .

يستحب للقارئ إذا قرأ " سبح اسم ربك الأعلى " أن يقول عقبه : سبحان ربي الأعلى . قاله النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقاله جماعة من الصحابة والتابعين ، على ما يأتي . وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال : ( إن لله تعالى ملكا يقال له حِزقيائيل ، له ثمانية عشر ألف جناح ، ما بين الجناح إلى الجناح مسيرة خمسمائة عام ، فخطر له خاطر هل تقدر أن تبصر العرش جميعه ؟ فزاده اللّه أجنحة مثلها ، فكان له ستة وثلاثون ألف جناح ، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام . ثم أوحى اللّه إليه : أيها الملك ، أن طر ، فطار مقدار عشرين ألف سنة ، فلم يبلغ رأس قائمة من قوائم العرش . ثم ضاعف اللّه له في الأجنحة والقوة ، وأمره أن يطير ، فطار مقدار ثلاثين ألف سنة أخرى ، فلم يصل أيضا ، فأوحى اللّه إليه أيها الملك ، لو طرت إلى نفخ الصور مع أجنحتك وقوتك لم تبلغ ساق عرشي . فقال الملك : سبحان ربي الأعلى ، فأنزل اللّه تعالى : " سبح اسم ربك الأعلى " . فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : اجعلوها في سجودكم ) . ذكره الثعلبي في ( كتاب العرائس ) له . وقال ابن عباس والسدي : معنى " سبح اسم ربك الأعلى " أي عظم ربك الأعلى . والاسم صلة ، قصد بها تعظيم المسمى ، كما قال لبيد :

إلى الحول ثم اسمُ السلامِ عليكُمَا{[15956]}

وقيل : نزه ربك عن السوء ، وعما يقول فيه الملحدون . وذكر الطبري أن المعنى نزه اسم ربك عن أن تسمي به أحدا سواه . وقيل : نزه تسمية ربك وذكرك إياه ، أن تذكره إلا وأنت خاشع معظم ، ولذكره محترم . وجعلوا الاسم بمعنى التسمية ، والأولى أن يكون الاسم هو المسمى . روى نافع عن ابن عمر قال : لا تقل على اسم اللّه ، فإن اسم اللّه هو الأعلى . وروى أبو صالح عن ابن عباس : صلّ بأمر ربك الأعلى . قال : وهو أن تقول سبحان ربك الأعلى . وروي عن علي رضي اللّه عنه ، وابن عباس وابن عمرو وابن الزبير وأبي موسى وعبد الله بن مسعود رضي اللّه عنهم : أنهم كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة قالوا : سبحان ربي الأعلى ؛ امتثالا لأمره في ابتدائها . فيختار الاقتداء بهم في قراءتهم ، لا أن سبحان ربي الأعلى من القرآن ، كما قاله بعض أهل الزيغ . وقيل : إنها في قراءة أُبيّ : " سبحان ربي الأعلى " . وكان ابن عمر يقرؤها كذلك . وفي الحديث : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قرأها قال : [ سبحان ربي الأعلى ] .

قال أبو بكر الأنباري : حدثني محمد بن شهريار ، قال : حدثنا حسين بن الأسود ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال : حدثنا عيسى بن عمر ، عن أبيه ، قال : قرأ علي بن أبي طالب عليه السلام في الصلاة " سبح اسم ربك الأعلى " ، ثم قال : سبحان ربي الأعلى ، فلما انقضت الصلاة قيل له : يا أمير المؤمنين ، أتزيد هذا في القرآن ؟ قال : ما هو ؟ قالوا : سبحان ربي الأعلى . قال : لا ، إنما أمرنا بشيء فقلته ، وعن عقبة بن عامر الجهني قال : لما نزلت " سبح اسم ربك الأعلى " قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( اجعلوها في سجودكم ) . وهذا كله يدل على أن الاسم هو المسمى ؛ لأنهم لم يقولوا : سبحان اسم ربك الأعلى . وقيل : إن أول من قال [ سبحان ربي الأعلى ] ميكائيل عليه السلام . وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لجبريل : ( يا جبريل أخبرني بثواب من قال : سبحان ربي الأعلى في صلاته أو في غير صلاته ) . فقال : ( يا محمد ، ما من مؤمن ولا مؤمنة يقولها في سجوده أو في غير سجوده ، إلا كانت له في ميزانه أثقل من العرش والكرسي وجبال الدنيا ، ويقول اللّه تعالى : صدق عبدي ، أنا فوق كل شيء ، وليس فوقي شيء ، اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له ، وأدخلته الجنة فإذا مات زاره ميكائيل كل يوم ، فإذا كان يوم القيامة حمله على جناحه ، فأوقفه بين يدي اللّه تعالى ، فيقول : يا رب شفعني فيه ، فيقول قد شفعتك فيه ، فاذهب به إلى الجنة ) . وقال الحسن : " سبح اسم ربك الأعلى " أي صل لربك الأعلى . وقل : أي صل بأسماء اللّه ، لا كما يصلي المشركون بالمكاء والتصدية{[15957]} . وقيل : ارفع صوتك بذكر ربك . قال جرير :

قَبحَ الإلهُ وجوهَ تَغْلِبَ كلَّمَا *** سَبَحَ الحجيجُ وكبَّرُوا تكبيرا


[15956]:تمامه: * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر * والبيت من قصيدة له، يخاطب بها ابنتيه، مطلعها: تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما *** وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر
[15957]:المكاء: الصفير. والتصدية التصفيق. قال ابن عباس: "كانت قريش تطوف بالبيت عراة يصفقون ويصفرون" فكان ذلك عبادة في ظنهم".
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأعلى

مكية وآياتها 19 نزلت بعد التكوير

{ سبح اسم ربك الأعلى } التسبيح في اللغة التنزيه وذكر الاسم هنا يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون المراد المسمى ويكون الاسم صلة كالزائد ، ومعنى الكلام سبح ربك أي : نزهه عما لا يليق به ، وقد يتخرج ذلك على قول من قال : إن الاسم هو المسمى .

والآخر : أن يكون الاسم مقصودا بالذكر ويحتمل المعنى على هذا أربعة أوجه :

الأول : تنزيه أسماء الله تعالى عن المعاني الباطلة كالتشبيه والتعطيل .

الثاني : تنزيه أسماء الله عن أن يسمى بها صنم أو وثن .

الثالث : تنزيه أسماء الله عن أن تدرك في حال الغفلة دون خشوع .

الرابع : أن المراد قول سبحان الله ولما كان التسبيح باللسان لا بد فيه من ذكر الاسم فلذلك أوقع التسبيح على : الاسم وهذا القول هو الصحيح ويؤيده ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال : " سبحان ربي الأعلى " . وأنها لما نزلت قال : " اجعلوها في سجودكم " فدل ذلك على أن المراد هو التسبيح باللسان مع موافقة القلب ولا بد في التسبيح باللسان من ذكر اسم الله تعالى فلذلك قال : { سبح اسم ربك الأعلى } مع أن التسبيح في الحقيقة إنما هو لله تعالى لا لاسمه وإنما ذكر الاسم لأنه هو الذي يوصل به إلى التسبيح باللسان وعلى هذا يكون موافقا في المعنى لقوله : { فسبح باسم ربك } لأن معناه نزه الله بذكر اسمه ويؤيد هذا ما روي عن ابن عباس أن معنى سبح " صل باسم ربك " أي : صل واذكر في الصلاة اسم ربك ، والأعلى يحتمل أن يكون صفة للرب أو للاسم والأول أظهر .