الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنِّيٓ أَنَا۠ رَبُّكَ فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَيۡكَ إِنَّكَ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوٗى} (12)

قرأ أبو عمرو وابن كثير «أَنّي » بالفتح ، أي : نودي بأني { أَنَاْ رَبُّكَ } وكسر الباقون ، أي : نودي فقيل يا موسى ، أو لأنّ النداء ضرب من القول فعومل معاملته . تكرير الضمير في { إنى أَنَاْ رَبُّكَ } لتوكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة . روي أنه لما نودي { ياموسى } قال : من المتكلم ؟ فقال له الله عز وجل : { إنى أَنَاْ رَبُّكَ } ، وأن إبليس وسوس إليه فقال : لعلك تسمع كلام شيطان . فقال : أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع جهاتي الست ، وأسمعه بجميع أعضائي . وروي : أنه حين انتهى رأى شجرة خضراء ، من أسفلها إلى أعلاها كأنها نار بيضاء تتقد . وسمع تسبيح الملائكة ، ورأى نوراً عظيماً فخاف وبهت ، فألقيت عليه السكينة ثم نودي ، وكانت الشجرة عوسجة ، وروي : كلما دنا أو بعد لم يختلف ما كان يسمع من الصوت . وعن ابن إسحاق : لما دنا استأخرت عنه ، فلما رأى ذلك رجع وأوجس في نفسه خيفة ، فلما أراد الرجعة دنت منه ، ثم كلم . قيل : أُمر بخلع النعلين لأنهما كانتا من جلد حمار ميت غير مدبوغ عن السدي وقتادة . وقيل : ليباشر الوادي بقدميه متبركاً به . وقيل : لأن الحفوة تواضع لله ، ومن ثم طاف السلف بالكعبة حافين ، ومنهم من استعظم دخول المسجد بنعليه ، وكان إذا ندر منه الدخول منتعلاً تصدق ، والقرآن يدل على أن ذلك احترام للبقعة وتعظيم لها وتشريف لقدسها . وروي : أنه خلع نعليه وألقاهما من وراء الوادي { طُوًى } بالضم والكسر منصرف وغير منصرف بتأويل المكان والبقعة . وقيل : مرتين ، نحو ثنى أي نودي نداءين أو قدس الوادي كرة بعد كرة { وَأَنَا اخترتك } اصطفيتك للنبوّة .