الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (15)

{ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أراد بنفي العمل به نفيه ، أي : لا تشرك بي ما ليس بشيء ، يريد الأصنام ، كقوله تعالى : { مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَىْء } [ العنكبوت : 42 ] . { مَّعْرُوفاً } صحابا ، أو مصاحباً معروفاً حسناً بخلق جميل وحلم واحتمال وبر وصلة ، وما يقتضيه الكرم والمروءة { واتبع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ } يريد : واتبع سبيل المؤمنين في دينك ولا تتبع سبيلهما فيه - وإن كنت مأموراً بحسن مصاحبتهما في الدنيا - ثم إليّ مرجعك ومرجعهما ، فأجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما ، علم بذلك حكم الدنيا وما يجب على الإنسان في صحبتهما ومعاشرتهما : من مراعاة حق الأبوة وتعظيمه ، وما لهما من المواجب التي لا يسوغ الاخلال بها ، ثم بين حكمهما وحالهما في الآخرة . وروي : أنها نزلت في سعد ابن أبي وقاص وأمّه . وفي القصة : أنها مكثت ثلاثاً لا تطعم ولا تشرب حتى شجروا فاهاً بعود . وروي أنه قال : لو كانت لها سبعون نفساً فخرجت ، لما ارتددت إلى الكفر .

فإن قلت : هذا الكلام كيف وقع في أثناء وصية لقمان ؟ قلت : هو كلام اعترض به على سبيل الاستطراد ، تأكيداً لما في وصية لقمان من النهي عن الشرك .

فإن قلت : فقوله : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ وفصاله فِى عَامَيْنِ } كيف اعترض به بين المفسر والمفسر ؟ قلت : لما وصى بالوالدين : ذكر ما تكابده الأمّ وتعانيه من المشاق والمتاعب في حمله وفصاله هذه المدّة المتطاولة ، إيجاباً للتوصية بالوالدة خصوصاً . وتذكيراً بحقها العظيم مفرداً ، ومن ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قال له : من أبر ؟ " أمّك ثم أمّك ثم أمّك " ثم قال بعد ذلك " ثم أباك " وعن بعض العرب أنه حمل أمه إلى الحج على ظهره وهو يقول في حدائه بنفسه :

أحْمِلُ أُمِّي وَهِيَ الْحَمَّالَهْ *** تُرْضِعُنِي الدُّرَّةَ وَالْعُلاَلَه ***

وَلاَ يُجَازَى وَالِدٌ فَعَالَهْ***

فإن قلت : ما معنى توقيت الفصال بالعامين ؟ قلت : المعنى في توقيته بهذه المدة أنها الغاية التي لا تتجاوز ، والأمر فيما دون العامين موكول إلى اجتهاد الأم : إن علمت أنه يقوى على الفطام فلها أن تفطمه ، ويدل عليه قوله تعالى : { والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة } [ البقرة : 233 ] وبه استشهد الشافعي رضي الله عنه على أن مدة الرضاع سنتان ، لا تثبت حرمة الرضاع بعد انقضائهما ، وهو مذهب أبي يوسف ومحمد . وأما عند أبي حنيفة رضي الله عنه . فمدة الرضاع ثلاثون شهراً . وعن أبي حنيفة : إن فطمته قبل العامين فاستغنى بالطعام ثم أرضعته ، لم يكن رضاعاً . وإن أكل أكلاً ضعيفاً لم يستغن به عن الرضاع ثم أرضعته ، فهو رضاع محرم .