الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغۡفِرُواْ لِلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجۡزِيَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (14)

حذف المقول لأنّ الجواب دال عليه . والمعنى : قل لهم اغفروا يغفروا { لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله } لا يتوقعون وقائع الله بأعدائه ، من قولهم لوقائع العرب : أيام العرب . وقيل : لا يأملون الأوقات التي وقتها الله لثواب المؤمنين ووعدهم الفوز فيها . قيل : نزلت قبل آية القتال ، ثم نسخ حكمها . وقيل : نزولها في عمر رضي الله عنه وقد شتمه رجل من غفار فهمّ أن يبطش به ، وعن سعيد بن المسيب : كنا بين يدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأ قارىء هذه الآية ، فقال عمر : ليجزى عمر بما صنع { لِيَجْزِىَ } تعليل للأمر بالمغفرة ، أي : إنما أمروا بأن يغفروا لما أراده الله من توفيتهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة .

فإن قلت : قوله : { قَوْماً } ما وجه تنكيره وإنما أراد الذين آمنوا وهم معارف ؟ قلت : هو مدح لهم وثناء عليهم ، كأنه قيل : ليجزي أيما قوم وقوماً مخصوصين ، لصبرهم وإغضائهم على أذى أعدائهم من الكفار ، وعلى ما كانوا يجرعونهم من الغصص { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الثواب العظيم بكظم الغيظ واحتمال المكروه ، ومعنى قول عمر : ليجزى عمر بما صنع : ليجزى بصبره واحتماله . وقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول الآية : والذي بعثك بالحق لا ترى الغضب في وجهي . وقرىء «ليجزى قوماً » أي : الله عز وجل . وليجزي قوم . وليجزى قوماً ، على معنى : وليجزي الجزاء قوماً .