اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (108)

قوله : { قُلْ هذه سبيلي } الآية .

قل يا محمد هذه الدعوة التي أدعو إليها ، والطريقة التي أنا عليها ومثله : { ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ } [ النحل : 135 ] والسَّبيل في أصل اللغة : الطريق ، ثم شبهوا بها التعبُّدات ؛ لأن الإنسان يمر عليها إلى الجنَّة .

قوله : { أَدْعُو إلى الله } يجوز أن يكون مستأنفاً ، وهو الظاهر ، وأن يكون حالاً من الياءِ ، و { على بَصِيرَةٍ } حال من فاعل " أدْعُوا " أي : أدعوا كائناً على بصيرةٍ .

وقيل : تمَّ الكلام عند قوله : { أَدْعُو إلى الله } ثم استأنف { على بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتبعني } .

قوله { وَمَنِ اتبعني } عطفٌ عليه ، أي : على فاعل " أدْعوا " ولذلك أكد بالضمير المنفصل ، ويجوز أني كون متبدأ ، والخبر محذوف ، أي : ومن اتَّبعني يدعو أيضاً ، ويجوز أن يكون " عَلَى بَصِيرةٍ " : خبراً مقدماً ، و " أنَا " : مبتدأ مؤخر ، و " مَنِ اتَّبعَنِي " عطف عليه أيضاً ، ومفعول " أدْعُوا " يجوز أن لا يراد ، أي : أنا من أهل الدُّعاء إلى الله ، ويجوز أن يقدَّر : أن أدعواالناس . وقرأ عبدالله : " هذَا سَبِيلِي " بالتَّذكيرن وقد تقدَّم [ الأنعام : 55 ] أنه يذكَّر ويؤنَّث .

فصل

والمعنى : أدْعُوا إلى الله على بصيرةٍ على يقين ، والبصيرةُ : هي المعرفة التي يميز بها بين الحقِّ والباطل ، وهي الحجَّة والبرهان ، " أنَا ومَنِ اتَّبعَنِي " : آمَنَ بي ، وسار في طريقي ، وسيرهُ : اتِّباع الدَّعوة إلى الله عزَّ وجلَّ .

قال الكلبيُّ ، وابنُ زيد : حقٌّ على من اتَّبعه أن يدعو إلى ما دعى إليه ويذكِّر بالقرآن .

قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه : يعني : أصحاب رسُول الله صلى الله عليه وسلم كانوا على أحسن طريقةٍ ، وأقدص هداية معدن العلم ، وكنز الإيمان وجند الرَّحمن .

قال عليه الصلاة والسلام : " العُلمَاءُ أمَناءُ الرُّسلِ على عِبَادهِ ، حيثُ يَحْفَظُونَ ما يدْعُونَ إليْهِ " .

ثم قال { وَسُبْحَانَ الله } أي : وقل : سبحان الله تنزيهاً عمَّا يشركون .

{ وَمَآ أَنَاْ مِنَ المشركين } الذين اتَّخذوا من الله ضدًّا وندًّا . وهذه الآية تدلُّ على أنَّ علم الأصول حرفة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، وأن الله تعالى ما بعثهم إلى الخلقِ إلا لأجلها .