اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰٓۗ أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۗ وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (109)

قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً } الآية : وهذا يدلُّ على أنَّه ما بعث رسولاً إلى الخلق من النِّسوان ، ولا من أهل البادية ، وقال عليه الصلاة والسلام : " مَنْ بَدَا جَفَا " .

قول : " نُوحِي " العامة معلى " يُوحَى " بالياء من تحت مبنيًّا للمفعول .

وقرأ حفص : " نُوحِي " بالنون ، وكسر الحاء مبنيًّا للفاعل ، اعتبارا بقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا } [ النحل : 43 ] وكذكل قرا ما في النحل ، وأوَّل الأنبياء ، ووافقه الاخوان على قوله : { نوحي إِلَيْهِمْ } في الأنبياء على ما سيأتي إن شاء الله تعالى والجملة صفة ل " رِجَالاً " و { مِّنْ أَهْلِ القرى } صفة ثانيةٌ ، وكان تقديم هذه الصِّفة على ما قبلها أكثر استعمالاً ، لأنَّها أقرب إلى المفرد ، وقد تقدَّم تحريره في المائدة .

فصل

قوله : { مِّنْ أَهْلِ القرى } أي من أهل الأمصار دون أهل البوادي ؛ لأن أهل الأمصار أعقل وأفضل وأعلم وأحلم .

قال الحسن : لم يبعث الله نبيًّا من أهل البادية ولا من الجن ولا من الملائكة وقيل إنما لم يبعث من أهل البادية لغلظهم وجفاهم كا تقدَّم .

{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض } يعني : [ هؤلاء ] المشركين المكذبين ، { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ } : آخر أمر ، { الذين مِن قَبْلِهِمْ } يعنى : الأمم المكذِّبين فيعتبروا ، { وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتقوا } يقول سبحانه وتعالى : هذا فعلنا بأهل ولا يتنا وطاعتنا أن نُنجِّهم عند نزول العذاب ، وما في الدرار الآخرة لهم خير ، فترك ذلك اكتفاء به لدلالة الكلام عليه ، والمعنى : ولدار الحالِ الآخرة .

وقيل : هو إضافة الشيء إلى نفسه ؛ كقوله : { إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين } [ الواقعة : 95 ] ، وكقولهم : يومُ الخَميِسِ ، وربيعُ الآخر ، { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } فتؤمنون ، قرأ نافع ، وابن عامرٍ ، ورواية عن عاصم : " تَعْقِلُون " بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيبة .