اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{رَبِّ ٱجۡعَلۡنِي مُقِيمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِيۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَآءِ} (40)

قوله : { رَبِّ اجعلني مُقِيمَ الصلاة } أي : من المحافظين عليها .

واحتجُّوا بهذه الآية على أن أفعال العباد مخلوقة لله -تعالى- لأنَّ قول إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- { واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام } يدلُّ على أنت ترك المنهيات لا يحصل إلا من الله تعالى .

وقوله : { رَبِّ اجعلني مُقِيمَ الصلاة وَمِن ذُرِّيَتِي } يدل على أن فعل المأمورات لا يحصل إلا من الله تعالى .

قوله : { وَمِن ذُرِّيَتِي } " عطف على المفعول الأول ل " اجْعَلْنِي " أي : واجعل بعض ذريتي مقيم الصلاة ، وهذا الجار في الحقيقة صفةٌ لذلك المفعول المحذوف ، أي : وبعضاً من ذريتي " .

وإنَّما ذكر هذا التبعيض ؛ لأنه علم بإعلام الله سبحانه وتعالى أنَّه يكون في ذريته جمعاً من الكفار لقوله : { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين } [ البقرة : 124 ] .

وقوله { رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ } قرأ أبو عمرو ، وحمزة{[19346]} وورش ، والبزي بإثبات الياء وصلاَ وحذفها وقفاً ، والباقون بحذفها وصلاً ووقفاً ، وقد روى بعضهم بإثباتها وقفاً أيضاً .

قال ابن عباس -رضي الله عنه- : معناه : تقبل عملي ، وعبادتي ، سمى العبادة دعاء{[19347]} .

قال -صلوات الله وسلامه عليه- : " الدُّعَاءُ مُخٌّ العِبادَةِ " {[19348]} .

وقال إبراهيم -صلوات الله وسلامه عليه- : { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله } [ مريم : 48 ] وقيل : معناه : استجب دعائي .


[19346]:ينظر: اختلاف السبعة في هذه القراءة في الحجة 5/33، 34 وإعراب القراءات السبع 1/337، والإتحاف 2/171، والمحرر الوجيز 3/343 والبحر المحيط 5/423 والدر المصون 4/276.
[19347]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/39).
[19348]:أخرجه الترمذي (5/456) كتاب الدعاء: باب ما جاء في فضل الدعاء حديث (3371) وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة.