قوله : { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ } حالان من المضاف المحذوف إذا التقدير : أصحاب الأبصار ، إذا يقال : شَخَص زَيْدٌ بصرهُ ، أو تكون الأبصار دلَّت على أربابها فجاءت الحال من المدلول عليه ، قالهما أبو البقاءِ .
وقيل : " مُهْطِعين " منصوب بفعل مقدر ، أي : تبصرهم مهطعين ، ويجوز في " مُقْنِعِي " أن يكون حالاً من الضمير في : " مُهْطِعِينَ " فيكون حالاً ، وإضافة : " مُقْنِعِي " غير حقيقة ؛ فلذلك وقع حالاً .
والإهْطَاعُ : قيل : الإسرْاعُ في المشيِ ؛ قال : [ البسيط ]
إذَا دَعانَا فأهْطَعْنَا لِدَعْوتهِ *** دَاعٍ سَمِيعٌ فَلفُّونَا وسَاقُونَا{[19359]}
وبِمُهْطِعٍ سُرُحٍ كأنَّ عِنانَهُ *** فِي رَأْسِ جِذْعٍ . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[19360]}
وقال أبو عبيدة : قد يكون الإسراع [ مع ] إدامة النَّظر .
وقال الراغب : " هَطَعَ الرَّجلُ بِبصَرهِ إذَا صَوَّبهُ ، وبَعِيرٌ مُهْطِعٌ إذا صوَّب عُنُقهُ " .
وقال الأخفش : هُو الإقْبَالُ على الإصغاءِ ، وأنشد : [ الوافر ]
بِدجْلةَ دَراهُم ولقَدْ أرَاهُمْ *** بِدجْلةَ مُهْطِعينَ إلى السَّماعِ{[19361]}
والمعنى : مُقبلينَ برءوسهم إلى سماعِ الدَّاعِي .
وقال ثعلبٌ : " هَطَعَ الرَّجلُ إذا نظرَ بذُلِّ وخُشوعٍ لا يقلع بِبصَره إلى السماء " . وهذا موافقٌ لقول أبي عبيدة ؛ فقد سمع فيه : " أهْطََعَ وهَطَعَ " رباعيًّا وثلاثيًّا .
والإقناعُ : رفع الرَّأسِ ، وإدامة النَّظر من غير التفات إلى غيره ، قاله القتبيُّ ، وابنُ عرفة .
ومنه قوله -يصف إبلاً ترعى أعالي الشَّجر ؛ فترفع رءوسها- : [ الوافر ]
يُبَاكِرْنَ العِضاهَ بِمُقنَعَاتٍ *** نَواجِذُهُنَّ كالحِدَإ الوَقِيعِ{[19362]}
ويقال : أقْنَعَ رأسه ، أي : طأطأها ، ونكَّسها فهو من الأضداد ، والقَناعةُ : الاجتزاءُ باليسيرِ ، ومعنى قَنَعَ عن كذا : أي : رفع رأسه عن السؤال . وفَمٌ مُقَنَّعٌ : معطوف الأسنان إليه داخلة ، ورجُلٌّ مُقنَّعٌ –بالتشديد- ، ويقال : قَنِعَ يَقْنَعُ قَناعَةً ، وقَنَعاً ، إذا رَضِيَ ، وقنع قُنُوعاً ، إذا سَألَ ، [ فوقع ] الفرق بالمصدر .
وقال الراغب : قال بعضهم : أصل هذه الكلمة من القناعِ ، وهو ما يُغطِّي الرَّأس
والقَانِعُ : من يَلِجُّ في السؤال فيرضى بِما يَأتيهِ ، كقوله : [ الوافر ]
لَمَالُ المَرْءِ يًصْلِحُه فيُغْنِي *** مَفَاقِرهُ أعَفُّ مِنَ القُنُوعِ{[19363]}
ورجل مقنَّعٌ : تَقنَّعَ بِهِ ؛ قال : [ الطويل ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** شُهُودِي على ليْلَى عُدولٌ مَقانِعُ{[19364]}
ومنى الآية : أنَّ المعتاد فيمن شاهد البلاء أنَّه يطرق رأسه عنه لئلا يراه ، فبين -تعالى- أنَّ حالهم بخلاف هذا المعتاد ، و أنهم يرفعون رءوسهم .
والرُّءُوسُ : جمعُ رأسِ ، وهو مؤنَّثٌ ، ويُجمع في القلَّةِ على أرؤس ، وفي الكثرة على " رُءُوس " والأرَاسُ : العظيم الرأس ، ويعبر به عن الرَّجل العظيم كالوجه ، والرِّسُّ مشتقًّ من ذلك ورِيَاسُ السَّيف مقبضه ، وشاةٌ رَأْسَى : أسودَّتْ رأسَها .
قوله : { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } في محل نصب على الحال من الضمير في : " مُقْنِعِي " ويجوزو أن يكون بدلاً من : " مُقْنِعِي " ، كذا قاله أبو البقاء ، يعني أنه يحل محله ، ويجوز أن يكون استئنافاً ، والطرف في الأصل مصدر ، وأطلق على الفاعل ، كقولهم : " مَا فِيهِمْ عينٌ تَطْرف " ، الطَّرفُ هنا : العَيْنُ قال الشاعر : [ الكامل ]
وأغُضُّ طَرْفِي ما بَدتْ لِي جَارتِي *** حتَّى يُوارِي جَارتِي مأواها{[19365]}
والطَّرفُ : الجِفْنُ أيضاً ، يقال : ما طبق طرفهُ ، أي : حفنهُ على الآخر ، الطَّرفُ أيضاً : تحركُ الجِفْنِ .
ومعنى الآية : دوام ذلك الشُّخوصِ .
قوله : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } " يجوز أن يكون استئنافاً ، وأن يكون حالاً ، والعامل فيه إمَّا " يَرتَدُّ " وإمَّا ما قبله من العوامل ، وأفرد : " هَواءٌ " ، وإن كان خبراً عن جمع ؛ لأنَّه في معنى فارغة متجوفة ، ولو لم يقصد ذلك لقال : أهوية ليطابق الخبر مبتدأه " .
والهَواءُ : الخَالِي من الأجسامِ ويُعبَّرُ به عن الجُبْنِ ، يقال : جوفهُ هواء ، أي : فارغ ؛ قال زهيرٌ : [ الوافر ]
كَانَّ الرَّجلَ مِنْهَا فوقَ صَعْل *** مِنَ الظِّلمانِ جُؤجؤهُ هَواءُ{[19366]}
وقال حسَّان بن ثابت -رضي الله عنه- : [ الوافر ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . *** فأنت مُجَوَّفٌ نَخْبٌ هَواءُ{[19367]}
النَّخْبُ : الذي أخذت نخبته أي : خِيارهُ ، ويقال : قلب فلانٍ هواء : إذا كان جَباناً للقوة في قلبه .
والمعنى : أنَّ قلوب الكفار خالية يوم القيامة عن جمع الخواطر ، والأفكار لعظم ما نالهم من الحيرة لما تحقَّقوهُ من العذاب ، وخيالة من كلِّ سرور لكثرة ما هم فيه من الحزِنِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.