اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلۡكِبَرِ إِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ} (39)

قوله تعالى : { الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر } في " على " وجهان :

أحدهما : أن " عَلَى " على بابها من الاستعلاء المجازي .

والثاني : أنها معنى " مع " كقوله : [ المنسرح ]

إنِّي على مَا تَريْنَ مِنْ كِبَرِي *** أعْلَمُ من حَيْثُ تُؤكَلُ الكَتِفُ{[19338]}

قال الزمخشري : " ومحلّ هذا [ الجار ]{[19339]} النصب على الحال من الياء في " وهَبَ لِي " " .

الآية تدلُّ على أنه -تعالى- أعطى إبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق -صلوات الله وسلامه عليه- على الكبر والشيخوخة فأمَّا مقدار السنة فغير معلوم من القرآن ، فالمرجعُ فيه إلى الروايات .

فروي لما ولدت إسماعيل كمان سن إبراهيم -صلوات الله وسلامه عليه- تسعاً وتسعين سنة ، ولما ولد إسحاق كان سنة مائة واثنتي عشرة سنة .

وقيل : ولد إسماعيل لأربع وستين سنة ، وولد إسحاق [ لتسعين ]{[19340]} سنة .

وعن سعيد بن جبير -رضي الله عنه- لم يولد لإبراهيم صلى الله عليه وسلم إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة ، [ وإنما ذكر هذا الكبر ؛ لأن المنة بهبة الولد في هذا السن أعظم ؛ ]{[19341]} لأنه زمن اليأس من الولد .

فإن قيل : إن إبراهيم -صلوات الله وسلامه عليه- إنَّما دعا بهذا الدُّعاء عندما أسكن هاجر وابنها إسماعيل في ذلك الوادي ، وفي ذلك الوقت لم يكن ولد إسحاق فيكف قال : { الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } ؟ .

فالجواب : قال القاضي -رحمه الله- : " هذا الدَّليل يقتضي أن إبراهيم -صلوات الله وسلامه عليه- ، إنَّما ذكر هذا الكلام في زمان آخر لا عقيب ما تقدَّم من الدعاء ويمكن أيضاً أنه -صلوات الله وسلامه عليه- إنَّما ذكر هذا [ الدعاء ]{[19342]} بعد كبر إسماعيل وظهور إسحاق -صلوات الله وسلامه عليهما- وإن كان ظاهر الروايات بخلافه " .

/خ39

قال -صلوات الله وسلامه عليه- حاكياً عن ربِّه عز وجل أنه قال : " مَنْ شَغلهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْألتِي أعْطَيتهُ أفْضَل ما أعْطِي السَّائلينَ " {[19343]} .

ثم قال : { إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدعاء } لما ذكر الدعاء على سبيل التعريض لا على وجه التصريح ، قال : { إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدعاء } من قولك : " سَمِعَ الأميرُ كلامَ فلانٍ " إذا اعتدَّ بِهِ وقلبهُ ، ومنه " سَمِعَ اللهُ لمَنْ حَمدَهُ " .

قوله : { لَسَمِيعُ الدعاء } فيه أوجه :

أحدهما : أن يكون " فَعِيل " مثال مبالغة مضافاً إلى مفعوله وإضافته من نصب ، وهذا دليل سيبويه على أن " فعيلاً " يعمل عمل اسم الفاعل ، ون كان قد خالفهُ جمهور البصريين والكوفيين .

الثاني : أنَّ الإضافة ليست من نصب ، وإنَّما هو كقولك : " هذا ضَارِب زيد أمس " .

الثالث : أن " سميعاً " مضاف لمرفوعه ، ويجعل دعاء الله سميعاً على المجاز والمراد : سماع الله ، قاله الزمخشريُّ .

قال أبو حيَّان{[19344]} : " وهو بعيد لاستلزامه أن يكون من الصفة المشبهة والصفة متعدية وهذا إنما يتأتى على قول الفارسي رحمه الله تعالى فإنه يجيز أن تكون الصفة المشبهة من الفعل المتعدي بشرط أمن اللبس ، نحو : زيدٌ ظالم العبيدَ ، إذا علم أنَّ له عبيد ظالمين ، وأما ههنا فاللبس حاصل ، إذ الظاهر من إضافته المثل للمفعول لا الفاعل " .

قال شهاب الدين{[19345]} : " واللَّبس أيضاً هنا منتف ؛ لأنَّ المعنى على الإسناد المجازي كما تقرر " .


[19338]:ينظر: البحر المحيط 5/423، روح المعاني 13/242، الكشاف 2/436، حاشية الشهاب 5/274، الرازي 19/141، السراج المنير 2/187، شواهد الكشاف 4/458، الدر المصون 4/275.
[19339]:في ب: الحمد.
[19340]:في ب: لسبعين.
[19341]:سقط من ب.
[19342]:في ب: الكلام.
[19343]:تقدم تخريجه.
[19344]:ينظر: البحر المحيط 5/423.
[19345]:ينظر: الدر المصون 4/276.