قوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون } لما بين دلائل التَّوحيد ثمَّ حكى عن إبراهيم -صلوات الله وسلامه عليه- أنه طلب من الله العظيم أن يصونه عن الشرك ، وأن يوفقه للأعمال الصَّالحة ، وأن يخصه بالرحمة والمغفرة في يوم القيامة ، ذكر بعده ما يدل على وجود القيامة ، فهو قوله -عزَّ وجلَّ- { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون } وذلك تنبيه على أنَّه -تبارك وتعالى- لو لم ينتقم للمظلوم من الظَّالم للزم إمَّا أن يكون غافلاً عن ذلك الظَّالم ، أو عاجزاً عن الانتقام ، أو كان راضياً بذلك الظُّلم ولما كانت الغفلة ، والعجز ، والرِّضا بالظُّلم محالاً على الله امتنع أن لا ينتقم من الظَّالم للمظلوم .
فإن قيل : كيف يليقُ بالرَّسُول -صلوات الله وسلامه عليه- أن يحسب الله -عزَّ وجلَّ- موصوفاً بالغفلةِ ؟ .
الأول : المراد به التثبيت على ما كان عليه من أنه لا يحسب إن كان غافلاً ، كقوله تعالى : { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين } { وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها آخَرَ } .
والثاني : المقصود منه بيان أنه لو لم ينتقم لكان عدم الانتقام لأجل غفلته عن ذلك الظالم ، ولما كان امتناع هذه الغفلة معلوماً لكل أحد لا جرم كان عدمُ الانتقام محالاً .
الثالث : أنَّ المراد : ولا تحسبنه يعاملهم الله معاملة الغافل عمَّا يعملون ، ولكن معاملة الرَّقيب عليهم المحاسب على النقير ، والقطمير .
الرابع : أنَّ هذا الخطاب ، وإن كان خطاباً للنبيّ صلى الله عليه وسلم في الظاهر إلا أنه خطاب مع الأمَّة .
قال سفيان بن عيينة -رضي الله عنه- : هذا تسلية للمظلوم ، وتهديد للظَّالم{[19356]} .
قوله : { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ ليوم } أي : لأجل يوم ، فاللام للعلَّة .
وقيل : بمعنى " إلى " أي : للغاية .
وقرأ العامة " يُؤخِّرهُمْ " بالياء ، لتقدم اسم الله -تعالى- . وقرأ{[19357]} الحسن والسلمي ، والأعرج ، [ وخلائق ]{[19358]} -رضي الله عنهم- : " نُؤخِّرهُم " بنون العظمة .
ويروى عن أبي عمرو " نُؤخِّرُهمْ " بنون العظمة .
و " تَشْخَصُ " صفة ل " يَوْمِ " . ومعنى شُخُوصِ البصرِ حدَّةُ النَّظر ، وعدم استقراره في مكانه ، ويقال : شَخَصَ سَمْعُه ، وبَصَرُه ، وأشْخَصَهُمَا صَاحِبهُما ، وشَخَصَ بَصَره ، أي : لم يطرف جفنهُ ، وشخوص البصر يدلُّ على الحيرة والدهشة ، ويقال : شخص من بلده أي : بعد والشخصُ : سواد الإنسان المرئيّ من بعيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.