اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ بَشَّرۡنَٰكَ بِٱلۡحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡقَٰنِطِينَ} (55)

قوله : { قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بالحق } " بَشَّرناكَ " ، و " بالحقِّ " متعلق بالفعل قبله ، وضعف أن يكون حالاً ، أي : قالوا بَشَّرنَاكَ .

ومعنى : " بالحَقِّ " هنا استفهام بمعنى التعجُّب ، كأنه قيل : بأيَّ أعجوبةٍ تبشروني ؟ .

فِإن قيل : كيف استبعد قدرة الله –تعالى- على خلقِ الولدِ منه في زمانِ الكبرِ ؟ وما فائدة هذا الاستفهام مع أنهم قد بينوا ما بشَّروا به ؟ .

فِأجاب القاضي : بأنه أراد أن يعرف أنه –تعالى- هل يعطيه الولد مع أنه يبقيه على صفة الشيخوخة ، أو يقلبه شابًّا ، ثم يعطيه الولد ؟ .

وسبب هذا الاستفهام : أن العادة جارية بأنه لا يحصل الولد حال الشيخوخة التامَّة ، وإنما يحصل في حال الشَّبابِ .

فإن قيل : فإذا كان معنى الكلام ما ذكرتم ، فلم قالوا : { بَشَّرْنَاكَ بالحق فَلاَ تَكُن مِّنَ القانطين } ؟ .

قلنا : إنهم بيَّنوا أنه –تعالى- بشَّرهُ بالولد مع إبقائه على صفة الشَّيخوخَةِ ، وقولهم { بَشَّرْنَاكَ بالحق فَلاَ تَكُن مِّنَ القانطين }{[19572]} لا يدل على أنه كان كذلك بدليل أنه صرَّح في جوابهم بما يدلُّ على أنَّه ليس كذلك فقال : { وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضالون } .

وأجاب غيره : بأن الإنسان إذا كان عظيم الرغبة في شيءٍ ، وفاته الوقت الذي يغلب على ظنِّه حصول المراد فيه ، فإذا بشِّر بعد ذلك بحصوله عظم فرحه ، وسروره ، ويصير ذلك الفرحُ القويُّ كالمدهش له ، والمزيل لقوَّة فهمه ، وذكائه ، فربَّما تكلم بكلماتٍ مضطربة في ذلك الوقت .

وقيل أيضاً : إنه يستطيب تلك البشارة ، فربَّما يعيد السؤال ليسمع تلك البشارة مرَّة أخرى ومرتين وأكثر طلباً للالتذاذ بسماع تلك البشارة ، أو طلباً لزيادة الطمأنينة والوثوق ، كقوله : { وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [ البقرة : 260 ] وقيل أيضاً : استفهم : أبأمرِ الله تبشروني ، أم من عند أنفسكم ، واجتهادكم ؟ .

قوله : { قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بالحق } قال ابن عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يريد بما قضى الله تعالى{[19573]} .

وقوله : { فَلاَ تَكُن مِّنَ القانطين } نهي لإبراهيم -صلوات الله وسلامه عليه- عن القنوطِ ، وقد تقدَّم أنَّ النهي لإنسان عن الشَّيء لا يدل على كون المنهي فاعلاً للمنهيّ عنه ، كقوله -جلَّ وعزَّ- { وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين } [ الأحزاب : 48 ] { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين } [ القصص : 87 ] .


[19572]:سقط من أ.
[19573]:تقدم.