اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَّوۡمَا تَأۡتِينَا بِٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (7)

قوله : { لَّوْ مَا تَأْتِينَا بالملائكة } ، " لَوْ مَا " : حرف تحضيضٍ ؛ ك " هَلاَّ " ، وتكون أيضاً حرف امتناع لوجودٍ ، وذلك كما أنَّ " لولا " متردَّدةٌ بين هذين المعنيين ، وقد عرف الفرق بينهما ، وهو أنَّ التحضيضيَّة لا يليها إلاَّ الفعل ظاهراً أو مضمراً ؛ كقوله : [ الطويل ]

. . . . . . . . . . . . . . *** لَوْلاَ الكَمِيَّ المُقَنَّعَا{[19449]}

والامتناعية لا يليها إلا الأسماء : لفظاً أو تقديراً عند البصريين .

وقوله : [ الوافر ]

ولَوْلاَ يَحْسِبُونَ الحِلْمَ عَجْزاً *** لمَا عَدِمَ المُسِيئُونَ احْتِمَالِي{[19450]}

مؤولٌ ؛ خلافاً للكوفيين .

فمن مجيء " لَوما " حرف امتناعٍ قوله : [ البسيط ]

لَوْمَا الحيَاءُ ولَوْمَا الدِّينُ عِبْتُكمَا *** بِبعْضِ ما فِيكُمَا إذْ عِبْتُما عَورِي{[19451]}

واختلف فيها : هل هي بسيطة أم مركبة ؟ .

فقال الزمخشري{[19452]} : " لَوْ " ركبت مع " لا " ، ومع " مَا " ؛ لمعنيين ، وأمَّا " هَلْ " فلم تركَّب إلاَّ مع " لا " وحدها ؛ للتحضيض .

واختلف –أيضاً- في " لَوْمَا " هل هي أصلٌ بنفسها ، أم فرعٌ على " لَوْلاَ " وأنَّ الميم مبدلة من اللام ، كقولهم : خاللته ، خالمته ، فهو خِلِّي وخِلْمِي ، أي : صديقي .

وقالوا : استولى على كذا ، [ واسْتَوَى ]{[19453]} عليه ؛ بمعنًى ، خلاف مشهور ، وهذه الجملة من التحضيض ، دالةٌ على جواب الشرط بعدها .

فصل في معنى الآية

المعنى : لو كنت صادقاً في أدَّعائك النُّبوَّة ، لأتيتنا بملائكة يشهدون عندنا بصدقك فيما تدَّعيه من الرسالة ؛ ونظيره قوله تعالى في الأنعام : { وَقَالُواْ لولا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمر } [ الأنعام : 8 ] ويحتمل أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا خوَّفهُم بنزول العذاب ، قالوا : لو ما تأتينا بالملائكة الذين ينزلون العذاب ، وهو المراد من قوله : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءَهُمُ العذاب } [ العنكبوت : 53 ] .


[19449]:تقدم.
[19450]:تقدم.
[19451]:البيت لابن مقبل. ينظر: ديوانه ص 76، الهمع 2/67، الدرر 2/83، اللسان "بعض"، ورصف المباني ص 242، وشواهد الكشاف 408، وشرح شواهد مغني اللبيب للبغدادي 8/118 والكشاف 2/387، والطبري 14/6، ومجاز القرآن 1/346 والشعر والشعراء 1/463، والجنى الداني ص 598، والبحر المحيط 5/431، والقرطبي 10/4، وروح المعاني 14/12 والدر المصون 4/289.
[19452]:ينظر: الكشاف 2/571.
[19453]:في ب: واستومن.