قوله { لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا } قرأ{[3]} ابن كثير : " سُكِرَتْ " مبنياً للمفعول ، مخفَّف الكاف ، وباقي السبعة كذلك إلا أنهم شدَّدوا الكاف ، والزهري : بفتح السين{[4]} ، وكسر الكاف خفيفة مبنياً للفاعل .
فأما القراءة الأولى : فيجوز أن تكون بمعنى المشددة ؛ فإن التخفيف يصلح للقليل والكثير ، وهما مأخوذتان من : السِّكر ، بكسر السين ، هو السَّدُّ .
والمعنى : حُبِسَتْ أبصارنا ، وسُدَّت ، وقيل : بمعنى : أخذت ، وقيل : بمعنى : سُحِرَت ، وقيل المشدد من : سَكِرَ الماءُ بالكسر ، والمخفف من سَكُرَ الشَّراب بالضم .
والمشهور أن " سَكِرَ " لا يتعدى فيكف بُنِي للمفعول ؟ .
فقال أبو علي{[5]} : " ويجوز أن يكون سمع متعدِّياً في البصر " .
والذي قاله المحقِّقون من أهل اللغةِ : أنَّ " سَكِر " إن كان من : " سَكِرَ الشَّرابُ ، أو مِنْ سَكِرَ الرِّيحُ " فالتضعيف فيه للتعدية ، وإن كان من " سَكِرَ الماءً " فالتضعيف فيه للتكثير ؛ لأنه متعد مخفَّفاً ، وذلك أنه يقال : سَكرَت الرِّيحُ تَسْكرُ سَكْراً ، إذا رَكدَت ، وسَكِرَ الرَّجلُ منَ الشِّرابِ سَكْراً ، ذا رَكَدَ ، ولم ينقد لحاجته .
فهذان قاصران فالتضعيف فيها للتعدية ، ويقال : سَكِرتُ الماء في مجاريه : إذا منعتهُ من الجَرْي ، فهذا متعدِّ ، فالتضعيف فيه للتكثير .
وأما قراءةٌ ابن كثير : فإن كانت من " سَكِرَ الماءُ " فهي واضحةٌ ؛ لأنه متعدِّ ، وإن كانت من " سَكُرَ الشَّرابُ أو سَكِرَ الرِّيحُ " فيجوز أن يكون الفعل استعمل لازماً تارة ، ومتعدياً أخرى ، نحو : " رَجَعَ زيْدٌ " ، ورَجَعه غَيْرُه ، وسَعِدَ وسَعِدَه غَيْرُه " وقال الزمخشريُّ : " وسُكِّرَتْ : حُيِّرت أو حبست من السِّكرِ أو السُّكر ، وقرئ : " سُكرَتْ " بالتخفيف ، أي : حُبسَتْ كمَا يُحْبَسُ المُهْرُ عنِ الجري " ، فجعل قراءة التشديد محتملة لمعنيين ، وقراءة التخفيف محتملة لمعنى واحدٍ .
وأما قراءة الزهريِّ ، فواضحةٌ ، أي : غطيت ، وقيل : هي مطاوع : أسْكرتُ المكان فَسَكرَ : أي : سَددْتهُ فانْسَدَّ .
{ بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } ، أي عمل فينا السِّحْرُ ، وسحرنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم .
فإن قيل : كيف يجوز من الجماعة العظيمة أن يكونوا شاكِّين في وجود ما يشهدونه بالعين السليمة في النهار الواضح ؛ ولو جاز حصول الشكِّ في ذلك ، كانت السَّفسطةٌ لازمة ، ولا يبقى حينئذٍ اعتمادٌ على الحس والمشاهدة ؟ .
أجاب القاضي -رحمه الله- : بأنه –تعالى- ما وصفهم بالشكِّ فيما يبصرون ، وإنما وصفهم بأنهم يقولون هذا القول ، وقد يجوز أن يقدم الإنسانُ على الكذب على سبيل العنادِ والمكابرة ، ثم سأل نفسه ، أيصحُّ من الجمع العظيم أن يظهر الشك في المشاهدات ؟ .
وأجاب : بأنه يصحُّ ذلك ، إذا جمعهم عليه غرضٌ صحيحٌ معتبر من مواطأةٍ على دفع حجَّةٍ أو غلبة خصم ، وأيضاً : فهذه الحكاية إنما وقعت عن قوم مخصوصين ، سألُوا الرسول صلى الله عليه وسلم إنزال الملائكةِ ، وهذا السؤال إنما كان من رؤساءِ القوم ، وكانوا قليلي العددِ ، وإقدامُ العددِ القليلِ على ما يجري مجرى المكابرة ، جائزٌ .
قوله : " فظلُوا " يقال : ظلّ فُلانٌ نَهارهُ يفعل كذا : إذا فعلهُ بالنَّهارِ ، ولا تقول العربُ : " ظَلّ يَظَلْ " إلاَّ لكلِّ عملٍ بالنهارِ ؛ كما لا يقولون : بَاتَ يَبِيتُ إلا بالليل ، والمصدر الظُّلُول .
والعُروجُ : الصُّعودُ ، يقال : عَرَج يَعْرجُ عُرُوجاً ، ومنه : المَعَارجُ ، وهي المصاعدُ التي يصعد عليها .
فإن قلنا : إن الضمير في : " فَظلُّوا " للملائكة ، فقد تقدم بيانه ، وإن قلنا : يعود على المشركين ، فقال ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- : " فظلَّ المشركون يصعدون في تلك المعارج ، وينظرون إلى ملكوتِ الله -سبحانه وتعالى- وقدرته ، وسلطانه ، وإلى عباده ، وملائكته -عليهم السلام- لشكُّوا في تلك الرؤية ، وأصرُّوا على جهلهم وكفرهم ؛ كما جحدوا سائر المعجزات من انشقاقِ القمرِ ، ومجيء القرآن الذي لا يستطيع الجنُّ والإنس أن يأتوا بمثله " {[6]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.