اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا} (104)

قوله : { الذين ضَلَّ } : يجوز فيه الجر نعتاً ، وبدلاً ، وبياناً ، والنصب على الذَّم ، والرفع على خبر ابتداء مضمرٍ .

ومعنى خُسْرانهِم أن مثلهم كمن يشتري سلعة يرجُو منها ربحاً ، فخسر وخاب سعيهُ ، كذلك أعمالُ هؤلاء الذين أتعبُوا أنفسهم مع ضلالهم ، فبطل جدُّهم واجتهادهم في الحياة الدنيا ، { وَهُمْ يَحْسَبُونَ } يظنون { أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } أي : عملاً .

قوله : { يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ } يسمَّى في البديع " تَجْنيسَ التَّصحيف " وتجنيس الخطِّ ، وهذا من أحسنه ، وقال البحتريُّ : [ الطويل ]

ولَمْ يَكُنِ المُغْتَرُّ بالله إذْ شَرَى *** ليُعْجِزَ والمُعْتَزُّ بالله طَالِبُهْ{[21349]}

فالأول : من الغُرورِ ، والثاني : من العزِّ ، ومن أحسن ما جاء في تجنيس التصحيف قوله : [ السريع ]

سَقَيْنَنِي ريِّي وغَنَّيْنَنِي *** بُحْتُ بِحُبِّي حينَ بِنَّ الخُرُذ{[21350]}

يصحف بنحو : [ السريع ]

شَقَيْتَنِي ربِّي وعَنَّيْتَنِي *** بِحُبِّ يَحْيَى خَتنِ ابنِ الجُرُذ

وفي بعض رسائل الفصحاء :

قِيلَ قَبْلَ نَداكَ ثَرَاكَ ، عَبْدٌ عِنْدَ رَجَاكَ رَجَاكَ ، آمِلٌ أمَّكَ .


[21349]:جناس التصحيف أن يتفقا لفظا ويختلفا نطقا كالعذل والعدل: وسمي بذلك لتشابه اللفظين في الخط من التصحيف وهو التشابه خطاً، وبعضهم يسميه جناس الخط ومثله أيضا نحو التخلي ثم التحلي ثم التجلي ؛ الأول بالخاء المعجمة من الخلو والثاني بالمهملة من الحلي بمعنى الزينة والثالث بالجيم بمعنى الكشف عن بعض الخفايا وتلقين بعض الأسرار لمن هم أهل لها والتصحيف عند أهل التحقيق كما هو عند علماء العربية عامة وعلماء البلاغة خاصة: تغيير اللفظ حتى يغير المعنى المراد من الموضع، أما التحريف فهو العدول بالكلام عن جهته. وقد ورد عن بعض العلماء قوله: لا تأخذوا القرآن من مصحفي ولا العلم من صحفي. والصحفي هو الذي يتلقى العلم من الكتب أو ممن تعلم منها دون الرجوع إلى مرشد أمين وهو العالم الذي يقرؤه ويلقنه. انظر : عقود الجمان ص 154، حواشي التلخيص ص 4 و462 حسن الصنيع ص 212، شرح السعد ص 3 و 129 الفوائد المشوق ص 233.
[21350]:ينظر البيت في البحر 6/158، الدر المصون 4/485.