اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيٓ أَوۡلِيَآءَۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ نُزُلٗا} (102)

قوله تعالى : { أَفَحَسِبَ الذين كفروا } الآية .

لما بيَّن إعراض الكافرين عن الذِّكر ، وعن سماع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم أتبعه بقوله : { أَفَحَسِبَ الذين كفروا }

والمعنى : أفظنَّ الذين كفروا أن ينتفعوا بما عبدوه .

والمراد بقوله : { أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دوني أَوْلِيَآءَ } : أرباباً ، يريد بالعباد : عيسى ، والملائكة .

وقيل : هم الشياطين يتولَّونهم ويطيعُونَهُم .

وقيل : هم الأصنام ، سمَّاها عباداً ؛ كقوله : { عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } [ الأعراف : 194 ] . وهو استفهام توبيخ .

قوله : { أَفَحَسِبَ } : العامة على كسر السين ، وفتح الباء ؛ فعلاً ماضياً ، و { أَن يَتَّخِذُواْ } سادٌّ مسدَّ المفعولين ، وقرأ{[21341]} أميرُ المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب ، وزيد بن عليٍّ ، وابن كثيرٍ ، ويحيى بن يعمر في آخرين ، بسكون السين ، ورفع الباء على الابتداء ، والخبر " أنْ " وما في حيِّزها .

والمعنى : أفكافيهم ، وحسيبهم أن يتَّخذوا كذا وكذا .

وقال الزمخشريُّ : " أو على الفعل والفاعل ؛ لأن اسم الفاعل ، إذا اعتمد على الهمزة ، ساوى الفعل في العمل ؛ كقولك : " أقَائمٌ الزَّيدانِ " وهي قراءة محكيَّةٌ جيِّدةُ " .

قال أبو حيَّان : " والذي يظهر أنَّ هذا الإعراب لا يجوزُ ؛ لأنَّ حسباً ليس باسم فاعلٍ ، فيعمل ، ولا يلزم من تفسير شيءٍ بشيء : أن يجرى عليه أحكامه ، وقد ذكر سيبويه{[21342]} أشياء من الصِّفات{[21343]} التي تجري مجرى الأسماء ، وأنَّ الوجه فيها الرفع ، ثم قال : وذلك نحو : مرَرْتُ برجلٍ خير منه أبوهُ ، ومررتُ برجلٍ سواءٍ عليه الخير والشر ، ومررت برجلٍ أب لهُ صاحبه ، ومررتُ برجلٍ حسبك من رجلٍ هو ، ومررتُ برجلٍ أيِّما رجلٍ هو " . ثم قال أبو حيان : " ولا يبعُد أن يرفع به الظاهر ، فقد أجازوا في " مررتُ برجلٍ أبي عشرةٍ أبوه " أن يرتفع " أبوهُ " ب " أبِي عشرةٍ " لأنه في معنى والدِ عشرةٍ " .

قوله : " نُزُلاً " فيه أوجهٌ :

أحدها : أنه منصوب على الحال ، جمع " نَازِلٍ " نحو شارفٍ ، وشُرفٍ .

الثاني : أنه اسم موضع النُّزولِ . قال ابن عباس : " مَثوَاهُمْ " وهو قول الزجاج .

الثالث : أنَّه اسمُ ما يعدُّ للنازلين من الضُّيوف ، أي : معدة لهم ؛ كالمنزلِ للضَّيف ، ويكون على سبيل التهكُّم بهم ، كقوله تعالى : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران : 21 ] وقوله : [ الوافر ]

. . . . . . . . . . . . . . *** تَحيَّةُ بينهم ضَرْبٌ وجِيعُ{[21344]}

ونصبه على هذين الوجهين مفعولاً به ، أي : صيَّرنا .

وأبو حيوة{[21345]} " نُزْلاً " بسكون الزاي ، وهو تخفيف الشَّهيرة .


[21341]:ينظر: الإتحاف 2/228، والمحتسب 2/34، والقرطبي 11/44 والبحر 6/157، والدر المصون 4/484.
[21342]:ينظر: الكتاب 1/229 – 230.
[21343]:في ب: الأسماء.
[21344]:تقدم.
[21345]:ينظر: البحر المحيط 6/157، والدر المصون 4/485.