قوله تعالى : { أولئك الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ } .
لقاء الله عبارة عن رؤيته ؛ لأنَّه يقال : لقيتُ فلاناً ، أي : رأيته .
فإن قيل : اللُّقيا عبارةٌ عن الوصول ؛ قال الله تعالى : { فَالْتَقَى المآء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } [ القمر : 12 ] .
وذلك في حقِّ الله محالٌ ؛ فوجب حمله على ثواب الله .
فالجواب : أن لفظ اللقاء ، وإن كان في الأصل عبارة عن الوصول{[21351]} إلاَّ أنَّ استعماله في الرؤية مجازٌ ظاهرٌ مشهورٌ ، ومن قال بأنَّ المراد منه : لقاء ثواب الله ، فذلك لا يتمُّ إلا بالإضمار ، وحمل اللفظ على المجاز المتعارفِ المشهور أولى من حمله على ما يحتاج إلى الإضمار .
واستدلَّت المعتزلة بقوله تعالى : { فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } على أن الإحباط حقٌّ ، وقد تقدَّم ذلك في البقرة وقرأ ابن عباس{[21352]} " فَحبَطَتْ " بفتح الباء والعامة بكسرها .
قوله : { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً } .
قرأ العامة " نُقِيمُ " بنون العظمة ، من " أقَامَ " ومجاهدٌ وعبيد بن عميرٍ : " فَلا يُقِيمُ " بياءِ الغيبة ، لتقدُّم قوله : " بآيَاتِ ربِّهِمْ " فالضمير يعود عليه ، ومجاهدٌ أيضاً " فلا يقُومُ لَهُمْ " مضارع " قَامَ " متعدٍّ ، كذا قال أبو حيَّان ، والأحسن من هذا : أن تعرب هذه القراءة على ما قاله أبو البقاء{[21353]} : أن يجعل فاعل " يَقومُ " " صنيعُهمْ " أو " سَعْيهُم " وينتصب حينئذٍ " وزْناً " على أحد وجهين : إمَّا على الحال ، وإمَّا على التَّمييز .
المعنى : أنَّا نزدري بهم ، وليس لهم عندنا وزنٌ ومقدارٌ ، تقول العرب : ما لفلانٍ عندي وزنٌ ، أي : قدرٌ ؛ لخسَّتهِ ، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّهُ ليَأتِي يَومَ القيامةِ الرَّجلُ العَظيمُ السَّمينُ ، فلا يَزنُ عند الله جَناحَ بَعُوضةٍ " قال : " اقرءوا : فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا " .
وقيل : المعنى : فلا نقيم لهم يوم القيامة ميزانا ؛ لأن الميزان إنما يوضع ؛ لأجل الحسنات والسيئات من الموحدين ؛ لتمييز مقدار الطاعات ، ومقدار السيئات .
قال أبو سعيد الخدري{[21354]} : يأتي ناس بأعمال يوم القيامة من عندهم في التعظيم كجبال تهامة ، فإذا وزنوها ، لم تزن شيئا ، فذلك قوله : { فلا نقيم يوم القيامة وزنا } .
وقال القاضي{[21355]} : إن من غلبت معاصيه ، صارت طاعاته{[21356]} كأن لم تكن ، فلم يدخل في الوزن شيء من طاعته ، وهذا التفسير بناه على قول الإحباط والتكفير .
قوله : { ذلك جزاؤهم جهنم } : فيه أوجه كثيرة :
الأول : أن يكون " ذلك " خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر ذلك والمعنى : الذي ذكرتُ من حبوط أعمالهم وخسَّة أقدارهم و " جزاؤهم جهنم " جملة برأسها .
الثاني : أن يكون " ذلك " مبتدأ أول ، وجزاؤهم " مبتدأ ثان ، و " جهنم " خبره ، و هو [ وخبره " ] خبر الأول ، والعائد محذوف ، أي : جزاؤهم به ، كذا قال أبو البقاء{[21357]} . ، فالهاء في " به " تعود على " ذلك " و " ذلك " مشار به إلى عدم إقامة الوزن .
قال أبو حيان : " ويحتاج هذا التوجيه إلى نظر " قال شهاب الدين : إن عنى النظر من حيث الصناعة ، فمسلَّم ، ووجه النظر : أن العائد حذف من غير مسوغ إلا بتكلف ؛ فإن العائد على المبتدأ ، إذا كان مجرورا ، لا يحذف إلا إذا جر بحرف تبعيض ، أو ظرفية ، أو يجر عائدا جر قبله بحرف ، جر به المحذوف ، كقوله : [ الطويل ] .
أصخ فالذي تدعى به أنت مفلح . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[21358]}
أي : مفلح به ، وإن عنى من حيث المعنى ، فهو معنى جيد .
الثالث : أن يكون " ذلك " مبتدأ ، و " جزاؤهم " بدل ، أو بيان ، و " جهنم " خبره .
الرابع : أن يكون " ذلك " مبتدأ أيضا ، و " جزاؤهم " خبره ، و " جهنم " بدل ، أو بيان ، أو خبر ابتداء مضمر .
الخامس : أن يجعل " ذلك " مبتدأ ، و " جزاؤهم " بدل ، أو بيان ، و " جهنم " خبر ابتداء مضمر ، و " بما كفروا " خبر الأول ، والجملة اعتراض .
السادس : أن يكون " ذلك " مبتدأ ، والجار : الخبر ، و " جزاؤهم جهنم " جملة معترضة ، وفيه بعدٌ .
السابع : أن يكون " ذلك " إشارة إلى جماعة ، وهم مذكورون في قوله : " بالأخسرين " ، وأشير إلى الجمع ؛ كإشارة الواحد ؛ كأنه قيل : أولئك جزاؤهم جهنم ، والإعراب المتقدم يعود على هذا التقدير .
ومعنى الكلام : أن ذلك الجزاء جزاء على مجموع أمرين : كفرهم ، واتخاذهم آيات الله ورسله هزوا ، فلم يقتصروا على الرد عليهم وتكذيبهم ، حتى استهزؤوا بهم .
قوله : " واتخذوا " فيه وجهان :
أحدهما : أنه عطف على " كفروا " فيكون محله الرفع ، لعطفه على خبر " إن " .
الثاني : أنه مستأنف ، فلا محل له ، والباء في قوله : " بما كفروا " لا يجوز تعلقها ب " جزاؤهم " للفصل بين المصدر ومعموله . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.