ولمَّا بيَّن تعالى تمام كلامه أمر محمَّداً صلى الله عليه وسلم بأن يسلك طريقة التَّواضع ، فقال : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ } .
أي : لا امتياز بيني وبينكم في شيء من الصفات إلاَّ في أنَّ الله تعالى ، أوحى إليّ أنَّه لا إله إلاَّ هو الواحد الأحد .
قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما- : علَّم الله - عزَّ وجلَّ - رسوله صلى الله عليه وسلم التواضع ، فأمره أن يُقرَّ ، فيقول : أنا آدميٌّ مثلكم إلاَّ أنِّي خُصِصْتُ بالوحي .
قوله : { أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ } وهو يدلُّ على مطلوبين :
أحدهما : أن كلمة " أنَّما " تفيد الحصر .
قوله : { أَنَّمَآ إلهكم } : " أنَّ " هذه مصدرية ، وإن كانت مكفوفة ب " ما " وهذا المصدر قائمٌ مقام الفاعل ؛ كأنَّه قيل : إنَّما يوحى إليَّ التوحيد .
قوله : { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ } .
الرَّجاء : هو ظنُّ المنافع الواصلة ، والخوفُ : ظنُّ المضارِّ الواصلة إليه ، فالرَّجاءُ هو الأملُ .
وقيل : معنى " يَرْجُو لقاءَ ربِّه " أي : يخاف المصير إليه ، فالرجاء يكون بمعنى الخوف ، والأمل جميعاً ؛ قال الشاعر : [ الطويل ]
فَلاَ كُلُّ مَا تَرجُو مِنَ الخَيْرِ كَائِنٌ *** ولا كَلُّ مَا تَرْجُو من الشَّرِ واقِعُ
فجمع بين المعنيين ، وأهل السُّنة حملوا لقاء الربِّ على رؤيته . والمعتزلة حملوه على لقاء ثواب الله .
قوله تعالى : { فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً } .
قرأ العامة{[21373]} : " ولا يُشْرِكْ " بالياء من تحتُ ، عطف نهي على أمرٍ ، ورُويَ عن أبي عمرو " ولا تُشْرِكْ " بالتاءِ من فوق ؛ خطاباً على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، ثم التفت في قوله " بِعبادَةِ ربِّهِ " إلى الأول ، ولو جيء على الالتفات الثاني ، لقيل : " ربِّك " والباء سببيةٌ ، أي : بسبب . وقيل : بمعنى " في " .
فصل في ورود لفظ الشرك في " القرآن الكريم "
قال أبو العبَّاس المقري : ورد لفظ الشِّرْك " في القرآن بإزاء معنيين :
الأول : بمعنى الشِّرك في العمل ؛ كهذه الآية .
الثاني : بمعنى العَدْل ؛ قال تعالى : { واعبدوا الله وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [ النساء : 36 ] . أي : ولا تعدلوا به شيئاً .
قال - عليه الصلاة والسلام- : " أخْوَفُ مَا أخَافُ عَليْكُمُ الشِّركُ الأصْغَرُ ، قَالُوا : وما الشِّركُ الأصغر ؟ قال : الرِّياءُ " {[21374]} .
وقال - عليه الصلاة والسلام- : " إنَّ الله تَعالَى يَقُولُ : أنَا أغْنَى الشُّركاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، فَمنْ عَمِلَ عملاً أشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي ، فَأنَا مِنْهُ بَرِيءٌ ، وهُوَ للَّذي عَمِلهُ " {[21375]} .
وعن أبي الدَّرداء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أوَّلِ سُورةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِن فِتْنَةِ الدَّجالِ " {[1]} .
وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ قَرَأ أوَّلَ سُورةِ الكَهْفِ ، كَانَتْ لَهُ نُوراً مِنْ قَدمَيْهِ إلى رأسِهِ ، ومَنْ قَرَأهَا ، كَانَتْ لَهُ نُوراً مِنَ الأرْضِ إلى السَّماءِ " {[2]} .
وعن سمرة بن جُنْدبٍ ، عن أبيه قال : قال النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ عَشْرَ آياتٍ مِنَ الكهْفِ حِفْظاً ، لَمْ يَضرَّهُ فِتْنَةُ الدَّجالِ ، ومن قَرَأ السُّورة كُلَّهَا ، دَخلَ الجنَّة " {[3]} .
وعن عبد الله بن أبي فروة ، قال : إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أدُلُّكمْ على سُورةٍ شيَّعها سَبْعُونَ ألفَ ملكٍ ، حِينَ نَزلَتْ ، ملأَ عِظَمُهَا مَا بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ ، ولتَالِيهَا مِثْلُ ذلِكَ ؟ قالوا : بَلَى يا رسُول الله ، قَالَ : سُورَةُ الكَهْفِ مَنْ قَرَأها يَوْمَ الجُمعةِ ، غُفِرَ لهُ إلى الجُمعةِ الأخرى ، وزِيَادةِ ثَلاثةِ أيَّامٍ ، وأعْطِي نُوراً يَبْلغُ السَّماءَ ، وَوُقِيَ فِتْنةَ الدَّجالِ " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.