قوله تعالى : { قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي } الآية .
لما ذكر في هذه السورة أنواع الدَّلائل والبيِّنات ، وشرح فيها أقاصيص الأوَّلين ، نبَّه على كمال حال القرآن ، فقال : { قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي } .
قال ابن عباس{[21366]} : قالت اليهود : يا محمد ، تزعمُ أنّك قد أوتينا الحكمة ، وفي كتابك { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [ البقرة : 269 ] .
ثم تقول : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 85 ] .
وقيل : لمَّا نزلت : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً } قالت اليهود : أوتينا التوراة ، وفيها علمُ كلِّ شيءٍ ، فأنزل الله تعالى : { قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي } .
والمِدَادُ : اسمٌ لما تمدُّ به الدَّواة من الحبرِ ، ولما يمدُّ به السِّراجُ من السَّليط ، وسمي المدادُ مداداً ؛ لإمداده الكاتب ، وأصله من الزيادة .
وقال مجاهدٌ : لو كان البحر مداداً للقلم والقلم يكتب " لنفِد البَحْرُ " أي : ماؤهُ .
قوله : " تنفد " : قرأ{[21367]} الأخوان " يَنْفدَ " بالياء من تحت ؛ لأنَّ التأنيث مجازي ، والباقون بالتاء من فوق ؛ لتأنيث اللفظ ، وقرأ السلميُّ - ورويت عن أبي عمرو وعاصم - " تنفَّد " بتشديد الفاء ، وهو مطاوع " نفَّد " بالتشديد ؛ نحو : كسَّرته ، فتكسَّر ، وقراءة الباقين مطاوع " أنْفَدتُّهُ " .
قوله : " ولَوْ جِئْنَا " جوابها محذوفٌ لفهم المعنى ، تقديره : لَنفِدَ ، والعامة على " مَدداً " بفتح الميم ، والأعمش{[21368]} قرأ بكسرها ، ونصبه على التمييز كقوله : [ الطويل ]
. . . . . . . . . . . . . . . . *** فإنَّ الهوَى يَكْفِيكهُ مثلهُ صَبْرا{[21369]}
وقرأ{[21370]} ابن مسعود ، وابن عبَّاس " مِداداً " كالأول ، ونصبه على التَّمييز أيضاً عند أبي البقاء{[21371]} ، وقال غيره - كأبي الفضل الرازيِّ- : إنه منصوب على المصدر ، بمعنى الإمداد ؛ نحو : { أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] قال : والمعنى : ولو أمددناهُ بمثله إمداداً .
المعنى : ولو كان الخلائقُ يكتبون ، والبَحْرُ يمدُّهم ، لنفد ما في البحر ، ولم تنفدْ كلماتُ ربِّي { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ } أي بمثل ماء البحر في كثرته .
قوله : { مََدداً } نظيره قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله } [ لقمان : 27 ] .
واستدلُّوا بهذه الآية على أنَّها صريحةٌ في إثباتِ كلماتٍ كثيرة لله تعالى .
قال ابن الخطيب{[21372]} : وأصحابنا حملوا الكلماتِ على متعلِّقات علم الله تعالى .
قال الجبائيُّ : وأيضاً قوله : { قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي } يدلُّ على أنَّ كلمات الله تعالى ، قد تنفدُ في الجملة ، وما ثبت عدمهُ ، امتنع قدمهُ .
وأيضاً قال : { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } .
وهذا يدلُّ على أنه تعالى قادر على أن يجيء بمثل كلامه ، والذي يجيءُ به يكون محدثاً ، والذي يكون المحدثُ كلامهُ فهو أيضاً محْدَثٌ .
فالجوابُ : بأنَّ المراد به الألفاظ الدَّالَّة على تعلُّقات تلك الصِّفاتِ الأزليَّة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.