اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞مَّآ أَشۡهَدتُّهُمۡ خَلۡقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَا خَلۡقَ أَنفُسِهِمۡ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلۡمُضِلِّينَ عَضُدٗا} (51)

قوله : { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السماوات } : أي : إبليس وذريته ، أو ما أشهدت الملائكة ، فكيف يعبدونهم ؟ أو ما أشهدت الكفار ، فكيف ينسبون إليَّ ما لا يليق بجلالي ؟ أو ما أشهدت جميع الخلقِ .

وقرأ{[21154]} أبو جعفر ، [ وشيبة ]{[21155]} والسختياني في آخرين : " ما أشهدناهم " على التعظيم .

والمعنى : ما أحضرناهم { خَلْقَ السماوات والأرض وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ } أي : ولا أشهدت بعضهم خلق بعض ، يعني : ما أشهدتهم ؛ لأعتضد بهم .

قوله : { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين عَضُداً } أي : ما كنت متَّخذهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر ؛ بياناً لإضلالهم ؛ وذمًّا لهم وقوله : " عَضُدًا " أي : أعواناً .

قال ابن الخطيب{[21156]} : والأقرب عندي أنه الضمير الرَّاجع على الكفَّار الذين قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم : إن لم تطرد عن مجلسك هؤلاء الفقراء ، لم نؤمن بك ، فكأنه - تعالى - قال : إنَّ هؤلاء الذين أتوا بالاقتراح الفاسد ، والتعنُّت الباطل ، ما كانوا شركاء في تدبير العالم ؛ لأنِّي ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ، ولا خلق أنفسهم ، ولا أعتضد بهم في تدبير الدنيا والآخرة ، بل هم كسائر الخلق ، فلم أقدموا على هذا الاقتراح الفاسد ؟ .

ويؤكِّد هذا أن الضمير يجب عوده على أقرب مذكور ، وهو هنا { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } .

قوله : { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين عَضُداً } وضع الظاهر موضع المضمر ؛ إذ المراد ب " المُضلِّينَ " من نفى عنهم إشهاد خلق السموات ، وإنما نبَّه بذلك على وصفهم القبيح .

وقرأ العامة " كُنْتُ " بضمِّ التاء ؛ إخباراً عنه تعالى وقرأ{[21157]} الحسن ، والجحدري ، وأبو جعفر بفتحها ؛ خطاباً لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم وقرأ{[21158]} علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - { مُتَّخِذاً المضلين } نوَّن اسم الفاعل ، ونصب به ، إذ المراد به الحال ، أو الاستقبال .

وقرأ{[21159]} عيسى " عَضْداً " بفتح العين ، وسكون الضاد ، وهو تخفيف سائغ ، كقول تميمٍ : سبْع ورجْل في : سبُعٍ ورجُلٍ وقرأ الحسن " عُضداً " بالضم والسكون ؛ وذلك أنه نقل حركة الضاد إلى العين بعد سلب العين حركتها ، وعنه أيضاً " عضداً " بفتحتين ، و " عضداً " بضمتين ، والضحاك " عضداً " بكسر العين ، وفتح الضاد ، و هذه لغات في هذا الحرف .

والعضدُ من الإنسان وغيره معروف ، ويعبِّر به عن العون والنصير ؛ يقال : فلان عضدي ، ومنه { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } [ القصص : 35 ] أي : سنقوِّي نصرتك ومعونتك .


[21154]:ينظر: الإتحاف 2/217، النشر 2/311، والقرطبي 11/3 البحر 9/129، والدر المصون 4/464، والكشاف 2/727.
[21155]:في ب: والشيباني.
[21156]:ينظر: الفخر الرازي 21/117.
[21157]:ينظر: الإتحاف 2/217، والنشر 2/311، والقرطبي 11/4، والبحر 6/130، والدر المصون 4/464، والكشاف 2/328.
[21158]:ينظر: الكشاف2/728، والبحر 6/130، والدر المصون 4/464.
[21159]:ينظر في قراءتها: الإتحاف 2/217، والقرطبي 11/4، والبحر 6/130، والدر المصون 4/464.