اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيَوۡمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ فَدَعَوۡهُمۡ فَلَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُمۡ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُم مَّوۡبِقٗا} (52)

قوله : { وَيَوْمَ يَقُولُ } : معمول ل " اذْكُرْ " أي : ويوم نقول ، يجري كيت وكيت وقرأ{[21160]} حمزة " نقُول " بنون العظمة ؛ مراعاة للتكلُّم في قوله : " مَا أشْهدتهُمْ " إلى آخره ، والباقون بياء الغيبة ؛ لتقدم اسمه الشريف العظيم الظاهر .

أي : يقول الله يوم القيامة : { نَادُواْ شُرَكَآئِيَ } يعني الأوثان .

وقيل : للجنِّ ، ولم يذكر تعالى أنَّهم كيف دعوهم في هذه الآية الكريمة ، بيَّن ذلك في آية أخرى ، وهو أنَّهم قالوا : { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ } [ إبراهيم : 21 ] .

{ الذين زَعَمْتُمْ } أنهم شركاء { فَدَعَوْهُمْ } فاستغاثوا بهم ، { فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } ، أي : لم يجيبوهم ، ولم ينصروهم ، ولم يدفعوا عنهم ضرراً ، ثم قال : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } أي : مهلكاً . قاله عطاء والضحاك{[21161]} .

فصل في بيان الموبق

قال الزمخشري وغيره : والمَوْبِقُ : المهلك ، يقال : وَبِقَ يَوبِقُ وَبَقاً ، أي : هَلَكَ ووَبَقَ يَبِقُ وُبُوقاً أيضاً : هلك وأوبقه ذنبه ، وعن الفراء{[21162]} : " جعَل اللهُ تواصُلهمْ هَلاكاً " فجعل البين بمعنى الوصل ، وليس بظرفٍ ؛ كقوله : { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } [ الأنعام : 94 ] على قراءة من قرأ بالرفع ، فعلى الأول يكون " موبقاً " مفعولاً أول للجعل ، والثاني الظرف المتقدِّم ، ويجوز أن تكون متعدية لواحدٍ ، فيتعلق الظرف بالجعلِ أو بمحذوفٍ على الحال من " مَوْبِقاً " .

وعلى قول الفراء ليكون " بينهم " مفعولاً أول و " مَوبقاً " مفعولاً ثانياً ، والمَوْبِقُ هنا : يجوز أن يكون مصدراً ، وهو الظاهر ، ويجوز أن يكون مكاناً .

قال ابن عباس : وهو وادٍ في النَّار{[21163]} .

وقال ابن الأعرابيِّ : كل حاجزٍ بين الشيئين يكون المَوبِقَ .

وقال الحسن : " مَوْبقاً " أي : عداوة ، هي في شدَّتها هلاك ؛ كقولهم : لا يكن حُبك كلفًا{[21164]} .

وقيل : الموبقُ : البَرْزَخُ البعيد{[21165]} .

وجعلنا بين هؤلاء الكفَّار وبين الملائكة وعيسى برزخاً بعيداً ، يهلك فيه النصارى ؛ لفرط بعده ؛ لأنَّهم في قاع جهنَّم ، وهو في أعلى الجنان .


[21160]:ينظر : السبعة 393، والنشر 2/311، والتيسير 144، والحجة 420، وإعراب القراءات 1/399 ، والحجة للقراء السبعة 5/1451، والقرطبي 11/4، والبحر 6/130، والدر المصون 4/465.
[21161]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/239) عن ابن عباس وقتادة وابن زيد. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/414) عن ابن عباس وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم ومجاهد وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر.
[21162]:ينظر: معاني القرآن للفراء 2/147.
[21163]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/240) عن أنس بن مالك ومجاهد. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/414) عن أنس وزاد نسبته إلى عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في "البعث".
[21164]:ذكره الرازي في "تفسيره" (21/119) عن الحسن.
[21165]:ينظر:المصدر السابق.