قوله : { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجبال } الآية .
لما بيَّن خساسة الدُّنيا ، وشرف القيامة ، أراد أن يعيِّن أحوال القيامةِ .
قوله : { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ } : " يَوْمَ " منصوب بقولٍ مضمرٍ بعده ، تقديره : نقول لهم يوم نسيِّر الجبال : لقد جئتمونا ، وقيل : بإضمار " اذْكُرْ " وقيل : هو معطوف على " عِنْدَ ربِّكَ " فيكون معمولاً لقوله " خَيْرٌ " .
وقرأ ابن كثير{[21125]} ، وأبو عمرو ، وابن عامر بضمِّ التاء ، وفتح الياء مبنياً للمفعول ، " الجِبَالُ " بالرفع ؛ لقيامه مقام الفاعل ، وحذف الفاعل ؛ للعلم به ، وهو الله ، أو من يأمره من الملائكة ، وهذه القراءة موافقةٌ لما اتُّفقَ عليه في قوله { وَسُيِّرَتِ الجبال } [ النبأ : 20 ] ، ويؤيِّدها قراءة عبد الله هنا { وَسُيِّرَتِ الجبال } فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول .
والباقون " نُسيِّرُ " بنون العظمة ، والياء مكسورة من " سَيَّرَ " بالتشديد ؛ " الجبالَ " بالنصب على المفعول به ، وهذه القراءة مناسبة لما بعدها من قوله { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } .
وقرأ الحسن كقراءة ابن كثير ، ومن ذكر معه إلاَّ أنه بالياء من تحت ؛ لأنَّ التأنيث مجازيٌّ وقرأ ابن محيصن ، ورواها محبوب عن أبي عمرو : [ " تسير " ] بفتح التاء من فوق ساكن الياء ، من سارت تسير ، و " الجِبَالُ " بالرفع على الفاعلية .
قوله : { وَتَرَى الأرض بَارِزَةً } " بَارِزَةً " حالٌ ؛ إذ الرؤية بصرية ، وقرأ{[21126]} عيسى { وتُرَى الأرضُ } مبنيًّا للمفعول ، و " الأرضُ " قائمة مقام الفاعل .
قوله : { وَحَشَرْنَاهُمْ } فيه ثلاثة أوجه :
الأول : أنه ماضٍ ، يراد به المستقبل ، أي : ونحشرهم ، وكذلك { وَعُرِضُوا } [ الكهف : 48 ] و { وَوُضِعَ الكتاب } [ الكهف : 49 ] .
والثاني : أن تكون الواو للحالِ ، والجملة في محلِّ النصب ، أي : نفعل التسيير في حال حشرهم ؛ ليشاهدوا تلك الأهوال .
والثالث : قال الزمخشري : " فإن قلت : لِمَ جيء ب " حَشرْنَاهُمْ " ماضياً بعد " نُسيِّرُ " و " ترى " ؟ قلت : للدلالة على أنَّ حشرهم قبل التسيير ، وقبل البروز ؛ ليعاينوا تلك الأهوال العظام ؛ كأنَّه قيل : وحَشرنَاهُم قبل ذلكَ " .
قال أبو البقاء ، وأبو حيان : " والأولى أن تكون الواو للحال " فذكر نحواً ممَّا قدَّمته .
قوله : " فَلمْ نُغادِرْ " عطف على " حَشَرنَاهُمْ " فإنه ماضٍ معنى ، والمغادرة هنا : بمعنى " الغَدْر " وهو الترك ، أي : فلم نترك ، والمفاعلة هنا ليس فيها مشاركة ، وسمي الغدر غدراً ؛ لأنَّ به ترك الوفاءُ ، وغدير الماء من ذلك ؛ لأنَّ السيل غادره ، أي : تركه ، فلم يجئه أو ترك فيه الماء ، ويجمع على " غدر " و " غُدرَان " كرغيف ورغفان ، واستغدر الغَديرُ : صار فيه الماء ، و الغديرة : الشَّعرُ الذي ترك حتى طال ، والجمع غدائرُ . قال امرؤ القيس : [ الطويل ]
غَدائِرُهُ مُسْتشْزِرَاتٌ إلى العُلا *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[21127]}
وقرأ{[21128]} قتادة " فَلمْ تُغادِرْ " بالتاء من فوقُ ، والفاعل ضمير الأرض ، أو الغدرة المفهومة من السياق ، وأبان : " يُغادَرْ " مبنياً للمفعول ، " أحدٌ " بالرفع ، والضحاك : " نُغْدِرْ " بضم النون ، وسكون العين ، وكسر الدال ، من " أغْدرَ " بمعنى " غَدرَ " .
ليس في الآية ما يدلُّ على أنَّ الأرض إلى أين تسير ، فيحتمل أن الله يسيِّرها إلى موضع يريده ، ولم يبيَّن ذلك الموضع لخلقه .
والحقُّ أنَّ المراد أنَّه يسيِّرها إلى العدم ؛ لقوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً ولا أَمْتاً } [ طه : 105-107 ] { وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } [ الواقعة : 5 ، 6 ] { وَتَرَى الأرض بَارِزَةً } [ الكهف : 47 ] ، أي : لم يبق عليها شيء من الجبال ، والعمران ، والشَّجر " بَارِزةً " ظاهرة ليس عليها ما يسترها ؛ كما قال : { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً ولا أَمْتاً } [ طه : 106 ، 107 ] .
وقال عطاء : " بَارِزةً " أبرزت ما في بطنها ، وقذفت الموتى المقبورين فيها ، أي بارزة البطن والجوف ، فحذف ذكر الجوف ، ودليله قوله تعالى : { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } [ الانشقاق : 4 ] { وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا } [ الزلزلة : 2 ] وقال : { وَبَرَزُواْ للَّهِ جَمِيعاً } [ إبراهيم : 21 ] .
{ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } أي : وحشرناهم أي : وجمعناهم للحساب ، فلم نترك من الأوَّلين والآخرين أحداً ، إلاَّ وجمعناهم لذلك اليوم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.