اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَمَّا ٱلۡغُلَٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤۡمِنَيۡنِ فَخَشِينَآ أَن يُرۡهِقَهُمَا طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗا} (80)

قوله : { فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ } : التثنية للتغليب ، يريد : أباه وأمَّه ، فغلَّب المذكَّر ، وهو شائع ، ومثله : القمران والعمران ، وقد تقدَّم [ في يوسف ] : أنَّ الأبوين يراد بهما الأب والخالة ، فهذا أقربُ .

والعامة على " مُؤمنين " بالياء{[21278]} ، وأبو سعيدٍ الخدريُّ ، والجحدريُّ " مُؤمنانِ " بالألف ، وفيه ثلاثة أوجه :

الأول : أنه على لغة بني الحارث ، وغيرهم .

الثاني : أن في " كان " ضمير الشَّأن ، و " أبواهُ مُؤمِنانِ " مبتدأ وخبر في محل النصب ؛ كقوله : [ الطويل ]

إذَا مِتُّ كان النَّاسُ صِنفَانِ شَامتٌ *** . . . . . . . . . . . . . . . {[21279]}

فهذا أيضاً محتمل للوجهين .

الثالث : أن في " كان " ضمير الغلام ، أي : فكان الغلامُ ، والجملة بعده الخبر ، وهو أحسن الوجوه .

قوله : { فَخَشِينَآ } أي : فعلمنا { أَن يُرْهِقَهُمَا } يفتنهما .

وقال الكلبيُّ : يكلِّفهما طغياناً وكفراً .

وقال سعيد بن جبيرٍ{[21280]} : فخشينا أن يحملهما حبُّه على أن يتابعاه على دينه .

قيل : إنَّ ذلك الغلام كان بالغاً ، وكان يقطع الطريق ، ويقدم على الأفعال المنكرة ، وكان يصير ذلك سبباً لوقوعهما في الفسق ، وربما يؤدِّي ذلك الفسق إلى الكفر .

وقيل : كان صبيًّا إلا أن الله تعالى علم منه أنَّه لو صار بالغاً ، لحصلت منه تلك المفاسد .

وقيل : الخشية بمعنى الخوف ، وغلبة الظنِّ ، والله تعالى قد أباح له قتل من غلب على ظنِّه تولُّد تلك المفاسد منه .

فإن قيل : هل يجوز الإقدام على قتل الإنسان لمثل هذا الظنِّ ؟

فالجواب{[21281]} : أنَّه إذا تأكَّد ذلك الظنُّ بوحي الله تعالى إليه ، جاز .


[21278]:ينظر: المحتسب 2/33، البحر 6/146، الدر المصون 4/478.
[21279]:تقدم.
[21280]:ينظر: معالم التنزيل 3/176.
[21281]:ينظر: الفخر الرازي 21/137.