اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَاۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتۡمٗا مَّقۡضِيّٗا} (71)

قوله تعالى : { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } الآية{[22100]} . الواو في " وإنْ " فيها وجهان :

أحدهما : أنها عاطفة لهذه الجملة{[22101]} على ما قبلها{[22102]} . وقال ابن عطية : { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } قسم ، والواو تقتضيه ، ويفسره قول النبي صلى الله عليه وسلم " من مات له ثلاث من الولد لم تمسه النار إلا تحلة القسم{[22103]} " {[22104]} . وأراد بالقسم قوله تعالى : { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } . قال أبو حيان{[22105]} : " وذهل عن " {[22106]} قول النحويين : إنه لا يستغنى عن القسم بالجواب لدلالة المعنى إلا إذا{[22107]} كان الجواب باللام أو ب " إنَّ " ، والجواب هنا على زعمه ب " إنْ " النافية ، فلا يجوز حذف القسم على ما نصوا . وقوله : والواو تقتضيه . يدلُّ على أنها عنده واو القسم ، ولا يذهب نَحْوِي{[22108]} إلى أنَّ مثل هذه الواو واو القسم ، لأنَّهُ يلزم عن ذلك حذف المجرور وإبقاء الجار ، ولا يجوز بذلك إلا أن وقع في شعر أو نادر كلام بشرط أن تقوم صفة المحذوف مقامه ، كما أولوا في قولهم : نِعْمَ السًّيْرُ على بِئْسَ العيرُ{[22109]} . أي : على عير بئس العير ، وقول الشاعر :

واللهِ مَا لَيْلِي بِنَامَ صَاحِبُهْ{[22110]}

أي : بِلَيْل{[22111]} نام صاحبه ، وهذه الآية ليست من هذا الضرب ، إذ لم يحذف المقسم{[22112]} " به " {[22113]} وقامت صفته مقامه{[22114]} . و " إنْ " حرف نفي ، " و " مِنْكُم " صفة لمحذوف تقديره : وإن أحد منكم{[22115]} " {[22116]} ويجوز أن يكون التقدير : وإن منكم إلاَّ من هو واردها وقد تقدم لذلك نظائر{[22117]} . والخطاب في قوله : " مِنْكُمْ " يحتمل الالتفات وعدمه .

قال الزمخشري : التفات إلى الإنسان ، ويعضده قراءة ابن مسعود وعكرمة ، " وإنْ مِنْهُمْ " {[22118]} أو خطاب للناس من غير التفات إلى المذكور{[22119]} .

والحَتْمُ : القضاءُ ، والوجوب حَتْم ، أي : أوجبه حتما{[22120]} ، ثم يطلق الحتم على الأمر المحتوم كقوله تعالى : { هذا خَلْقُ الله }{[22121]} ، وهذا درهمٌ ضرب الأمير . و " على ربِّك " متعلق ب " حَتْم " ، لأنَّه في معنى اسم المفعول{[22122]} ولذلك وصفه ب " مَقْضِيًّا " .

فصل

المعنى : وما منكم إلا واردها ، والورود هو موافاة المكان{[22123]} . وقيل القسم فيه مضمر ، أي : والله ما منكم من أحد إلا واردها . واختلفوا في معنى الورود هنا فقال ابن عباس والأكثرون : الورود هنا{[22124]} هو الدخول ، والكناية راجعة إلى النار ، وقالوا : يدخلها البر والفاجر ، ثم ينجي الله المتقين فيخرجهم منها ، ويدلُّ على أنَّ الورود هو الدخول قوله تعالى : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار }{[22125]} .

روى ابن عيينة{[22126]} عن عمرو بن دينار{[22127]} أنَّ نافع بن الأزرق مارى ابن عباس في الورود فقال ابن عباس : هو الدخول . وقال نافع : ليس الورود الدخول ، فتلى ابن عباس { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }{[22128]} أدخلها{[22129]} هؤلاء أم لا ؟ ثم قال : يا نافع أما والله أنا وأنت سنردها ، وأنا أرجو أن يخرجني الله ، وما أرى أن{[22130]} يخرجك منها بتكذيبك{[22131]} .


[22100]:الآية: سقط من ب، وكتبت الآية كاملة.
[22101]:في ب: للجملة.
[22102]:البحر المحيط 6/209.
[22103]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة 2/276.
[22104]:تفسير ابن عطية 9/511.
[22105]:في ب: فصل قال أبو حيان.
[22106]:ما بين القوسين في ب: ودل.
[22107]:إذا: سقط من ب.
[22108]:نحويّ: سقط من ب.
[22109]:احتج الكوفيون بهذا القول على اسمية (بئس) لدخول حرف الجر عليها، وأوله البصريون بأنّ حرف الجر داخل على محذوف، و(بئس العير) مقول لقول محذوف وقع صفة لموصوف محذوف، والتقدير نعم السير على عير مقول فيه بئس العير. وهذا يدل على أن حذف المجرور وإبقاء الجار لا يقع إلا في النادر من الكلام أو في الشعر كما سيأتي مع تحقق الشرط المذكور، وهو إقامة صفة الموصوف مقامه، الإنصاف 1/98،112، 113.
[22110]:رجز قاله القناني، وتمامه: ... *** ولا مــخالط الـــليــان جــانــبــه وهو في الخصائص 2/366، وأمالي ابن الشجري 2/148، الإنصاف 1/112، ابن يعيش 3/62، شرح قطر الندى (37) اللسان (نوم)، المقاصد النحوية 4/3 الهمع 1/6، 2/120، الخزانة 9/388، الدرر 1/3، 2/153.
[22111]:في النسختين: برجل.
[22112]:في ب: القسم.
[22113]:به: تكملة من البحر المحيط.
[22114]:انظر البحر المحيط: 6/209.
[22115]:وعلى هذا التقدير يكون (منكم) صفة لـ (أحد) المقدر، وهو مبتدأ وقوله: (واردها) خبر، البيان 2/133، التبيان 2/879.
[22116]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22117]:انظر التبيان 2/879.
[22118]:المختصر (86)، تفسير ابن عطية 9/511.
[22119]:الكشاف 2/419.
[22120]:اللسان (حتم).
[22121]:[لقمان: 11].
[22122]:لأن المصدر يستعمل بمعنى اسم الفاعل وبمعنى اسم المفعول نحو: ماء غور. أي: غائر. ورجل عدل، أي: عادل، وقالوا: درهم ضرب الأمير، أي: مضروبه، و"هذا خلق الله"، والإشارة إلى المخلوق. ابن يعيش 6/50، شرح الكافية 2/198.
[22123]:في ب: المورود.
[22124]:هنا: سقط من ب.
[22125]:[هود: 98].
[22126]:تقدم.
[22127]:هو عمرو بن دينار، أبو محمد المكي مولى باذام عالم مكة، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، روى القراءة عن ابن عباس، وروى القراءة يحيى بن صبيح، مات سنة 126 هـ. طبقات القراء 1/600-601.
[22128]:[الأنبياء: 98].
[22129]:في ب: أدخل.
[22130]:أن: سقط من الأًصل.
[22131]:انظر البغوي 5/388-389.