اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡهَا جَمِيعٗاۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ} (38)

كرر قوله : " قلنا : اهبطوا " ؛ لأن الهبوطين مختلفان باعتبار تعلّقهما ، فالهبوط الأوّل علّق به العداوة{[1215]} ، والثاني علّق به إتيان الهدى .

وقيل : لأن الهبوط الأول من الجنّة إلى السماء ، والثاني من السماء إلى الأرض . واستبعده بعضهم لوجهين :

الأول : لقوله : { وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ } [ البقرة : 36 ] وذكر هذا في الهبوط الثَّاني أولى . وهذا ضعيف ؛ لأنه يجوز أن يراد : ولكم في الأرض مستقرّ بعد ذلك .

وثانيهما : أنه قال في الهُبُوطِ الثَّاني : " اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً " ، والضمير في " منها " عائد إلى " الجنّة " وذلك يقتضي كون الهُبُوط الثاني من الجنّة .

قال " ابن عطية " {[1216]} : وحكى " النَّقاش " أن الهبوط الثَّاني إنما هو من الجنّة إلى السّماء ، والأولى في ترتيب الآية إنما هو إلى الأرض ، وهو الآخر{[1217]} في الوقوع .

وقيل : كرّر على سبيل التَّأكيد نحو قولك : " قم قم " .

والضَّمير في " منها " يعود على الجَنّة ، أو السَّماء .

قال " ابن الخطيب " {[1218]} : وعندي فيه وجه ثَالِثٌ ، وهو أن آدم لما أتيا بالزَّلَّة أمرا بالهبوط ، فتابا بعد الأمر بالهبوط ، فأعاد الله الأمر بالهبوط مَرّةً ثانيةً ليعلما أن الأمر بالهبوط ما كان جزاء على ارتكاب الزَّلَّة حتى يزول بزوالها ، بل الأمر بالهبوط باق بعد التوبة ؛ لأن الأمر به كان تحقيقاً للوَعْدِ المتقدّم في قوله : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً }{[1219]} [ البقرة : 30 ] .

قوله : " جَمِيعاً " حال من فاعل " اهْبِطُوا " أي : مجتمعين : إما في زمان واحدٍ ، أو في أزمنة متفرقة ؛ لأن المُرَاد الاشتراك في أصل الفعل ، وهذا هو الفرق بين " جاءوا جميعاً " ، و " جاءوا معاً " ، فإن قوك : " معاً " يستلزم مجيئهم جميعاً في زمن واحد ، لما دلّت عليه " مع " من الاصْطِحَاب بخلاف " جميعاً " فإنها لا تفيد إلا أنه لم يتخلّف أحد منهم عن المجيء من غير تعرُّض لاتحاد الزمان .

و " جميع " في الأَصْلِ من ألفاظ التَّوكيد ، نحو : " كل " ، وبعضهم عدها معها .

وقال : " ابن عطية " : و " جميعاً " حال من الضمير في " اهبطوا " ، وليس بمصدر ولا اسم فاعل ، ولكنه عوض منهما دالّ عليهما ، كأنه قال : هبوطاً جميعاً أو هابطين جميعاً ، كأنه يعني أن الحال في الحقيقة محذوف ، وأن " جميعاً " تأكيد له ، إلاَّ أن تقديره بالمصدر ينفي جعله حالاً إلا بتأويل لا حَاجَةَ إليه .

وقال بعضهم : التَّقْدِير : قلنا : اهبطوا مجتمعين ، فهبطوا جميعاً ، فحذف الحال من الأول لدلالة الثَّاني عليه ، وحذف العامل من الثاني لدلالة الأول عليه ، وهذا تكلّف لم تدع إليه الضرورة .

قوله : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ } الفاء مرتبة معقبة . و " إمّا " أصلها : إن الشرطية زيدت عليها " ما " تأكيداً ، و " يأتينكم " في مَحَلّ جزم بالشَّرْط ؛ لأنه بني لاتصاله بنون التوكيد .

وقيل : بل هو معرب مطلقاً .

وقيل : مبني مطلقاً .

والصّحيح : التفصيل : إن باشرته كهذه الآية بني ، وإلا أعرب ، نحو : هل يَقُومَانِ ؟ وبني على الفَتْحِ طلباً للخفّة ، وقيل : بل بني على السُّكون ، وحرك بالفتح لالتقاء السَّاكنين .

وذهب الزجاج والمبرد إلى أن الفعل الواقع بعد " إن " الشَّرطية المؤكَّدة ب " ما " يجب تأكيده بالنون ، قالا : ولذلك لم يأت التَّنْزيل إلاّ عليه ، وذهب سيبويه إلى أنَّه جائز لا واجب ؛ لكثرة ما جاء به منه في الشعر غير مؤكَّد ، فكثرة مجيئه غير مؤكَّد يدلُّ على عدم الوجوب ؛ فمن ذلك قوله : [ الطويل ]

فَإِمَّا تَرَيْنِي كَابْنَةِ الرَّمْلِ ضَاحِياً *** عَلَى رِقَّةٍ أخْفَىَ وَلاَ أَتَنَعَّلُ{[1220]}

وقولُ الآخر : [ البسيط ]

يَا صَاحِ إمَّا تَجِدْنِي غَيْرَ دِي جِدةٍ *** فَمَا التَّخَلِّي عَنِ الخُلاَّنِ مِنْ شِيَمِي{[1221]}

وقول الآخر : [ المتقارب ]

فَإِمَّا تَرَيْنِي وَلِي لِمَّةٌ *** فَإنَّ الحَوادِثَ أوْدَى بِهَا{[1222]}

وقول الآخر : [ الكامل ]

زَعَمَتْ تُمَاضِرُ أنَّنِي إمَّا أَمُتْ *** يَسْدُدْ أُبَيْنُوهَا الأَصَاغِرُ خَلَّتِي{[1223]}

وقال المهدوي : " إما " هي " إن " التي للشرط زيدت عليها " ما " ليصحّ دخول " النّون " للتوكيد في الفعل ، ولو سقطت " ما " لم تدخل النّون ، و " ما " تؤكّد أول الكلام ، والنون تؤكد آخره ، وتبعه ابن عطية .

وقال بعضهم : هذا الذي ذهبا إليه من أن النّون لازمة لفعل الشرط إذا وصلت " إن " ب " ما " هو مذهب المُبَرّد والزَّجَّاج ، وليس في كلامهما ما يدلُّ على لزوم " النُّون " كما ترى ، غاية ما فيه أنهما اشترطا في صحّة تأكيده بالنون زيادة " ما " على " إن " ، أما كون التوكيد لازماً ، وغير لازم ، فلم يتعرضا له ، وقد جاء تأكيد الشرط بغير " إن " ؛ كقوله : [ الكامل ]

مَنْ يُثْقَفَنْ مِنْهُمْ فَلَيْسَ بِآئِبٍ *** أبَداً وَقَتلُ بَنِي قُتَيْبَةَ شَافِي{[1224]}

و " مني " متعلق ب " يأتين " وهي لابتداء الغاية مجازاً ، ويجوز أن تكون في محل حال من " هدى " لأنه في الأصل صفة نكرة قدم عليها ، وهو نظير ما تقدم في قوله : { مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ } [ البقرة : 37 ] . و " هدى " فاعل ، والفاء مع ما بعدها من قوله : { فَمَن تَبِعَ } جواب الشرط الأول ، والفاء في قوله : { فَلاَ خَوْفٌ } جواب الثَّاني . وقد وقع الشَّرْط الثاني وجوابه جواب الأول ، ونقل عن " الكسائي " أن قوله : " فَلاَ خَوْفٌ " جواب الشَّرطين معاً . قال " ابن عطية " بعد نقله عن " الكِسَائي " ذلك : هكذا حكي ، وفيه نظر ، ولا يتوجّه أن يخالف سيبويه هنا ، وإنما الخِلاَفُ في نحو قوله : { فأما إن كان من المقرّبين فرَوحٌ } [ الواقعة : 88 ، 89 ] فيقول سيبويه : جواب أحد الشرطين محذوف ، لدلالة قوله : " فروح " عليه .

ويقول الكوفيون : " فروح " جواب الشرطين ، وأما في هذه الآية ، فالمعنى يمنع أن يكون " فلا خوف " جوابا للشرطين .

وقيل : جواب الشرط الأول محذوف تقديره : " فإما يأتينكم مني هدى فاتبعوه " ، وقوله : " فمن تبع " جملة مستقلة [ وهو بعيد أيضا ]{[1225]} .

فصل في المراد بالهدى

اختلف في " الهدى " فقال " السدي " : كتاب الله ، وقال قوم : الهدى الرسل ، وهذا إنما يتم لو كان المخاطب بهذا الكلام آدم وبنيه ، فالرسل إلى آدم من الملائكة ، وإلأة بنيه من البشر .

وقيل : المراد من الهدى كل دلالة وبيان .

وقيل : التوفيق للهداية . وفي قوله : " مني هدى " إشارة إلى أن أفعال العباد خلق الله تعالى .

و " من " يجوز أن تكون شرطية ، وهو الظاهر ، ويجوز أن تكون موصولة ، ودخلت الفاء في خبرها تشبيها لها بالشرط ، ولا حاجة إلى هذا ، فإن كانت شرطية كان " تبع " في محل جزم ، وكذا " فلا خوف " لكونهما شرطا وجزاء ، وإن كانت موصولة فلا محل ل " تبع " ، وإذا قيل بأنها شرطية فهي مبتدأ أيضا ، وفي خبرها خلاف مشهور .

والأصح أنه فعل الشرط ، بدليل أنه يلزم عود ضمير من فعل الشرط اسم الشرط ، ولا يلزم ذلك في الجواب ، تقول : " من يقم أكرم زيدا " ، فليس في " أكرم زيدا " ضمير يعود على " من " ولو كان خبرا للزم فيه ضمير .

ولو قلت : " من يقم زيدا أكرمه " وأنت تعيد الهاء على " من " لم يجز ، لخلوّ فعل الشرط من الضمير .

وقيل : الخبر الجواب ، ويلزم هؤلاء أن ياتوا فيه بعائد على اسم الشرط ، فلا يجوز عندهم : " من يقم أكرم زيدا " ولكنه جائز ، هذا ما أورده أبو البقاء .

وسيأتي تحقيق القول في لزوم عود الضمير من الجواب إلى اسم الشرط عند قوله : { قل من كان عدوا لجبريل " [ البقرة : 97 ] .

وقيل : مجموع الشرط والجزاء هو الخبر ، لأن الفائدة إنما تحصل بهما .

وقيل : ما كان فيه ضمير عائد على المبتدأ ، فهو الخبر والمشهور " هُدايَ " ، وقرئ : " هُديَّ " بقلب الألف ياء ، وإدغامها في ياء المتكلم ، وهي لغة " هُذَيل " ، يقولون في عَصَاي : عَصيَّ ، وقال شاعرهم : [ الكامل ]

سبقُوا هَويَّ وأعنقُوا لهواهم *** فتُخُرِّمُوا ولكلّ جنبٍ مصرعُ{[1226]}

كأنهم لما لم يصلوا إلى ما تستحقه ياء المتكلم من كسر ما قبلها لكونه ألفا أتوا بما يجانس الكسرة ، فقلبوا الألف ياء .

نقل " النحاس " هذه العلة عن الخليل وسيبويه وهذه لغة مطردة عندهم إلا أن تكون الألف للتثنية ، فإنهم يثبتونها نحو : " جاء مسلماي ، وغلاماي " .

قوله : { فلا خوف عليهم } قد تقدم أنه يجوز أن يكون جوابا للشرط ، فيكون في محل جزم ، وأن يكون حبرا ل " من " إذا قيل بأنها موصولة ، وهو أولى لمقابلته بالموصول في قوله : { والذين كفروا } [ البقرة : 39 ] ، فيكون في محل رفع ، و " لا " يجوز أن تكون عاملة عمل " ليس " فيكون " خوف " اسمها ، و " عليهم " في محل نصب خبرها ، ويجوز أن تكون غير عاملة ، فيكون " خوف " مبتدأ ، و " عليهم " في محل رفع خبره ، وهذا أولى مما قبله لوجهين :

أحدهما : أن عملها عمل " ليس " قليل ، ولم يثبت إلا شيء محتمل ، وهو قوله : [ الطويل ]

تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا *** ولا وزرٌ مما قضى الله واقيَا{[1227]}

والثاني : أن الجملة التي بعدها وهي " ولا هم يحزنون " تعين أن تكون " لا " فيها غير عاملة لأنها لا تعمل في المعارف ، فجعلها غير عاملة فيه مشاكلة لما بعدها ، وقد وهم بعضهم ؛ فجعلها عاملة في المعرفة ؛ مستدلا بقوله : [ الطويل ] .

وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا *** سواها ولا في حبها متراخيا{[1228]}

ف " أنا " اسمها و " باغيا " خبرها .

قيل : ولا حجة فيه ؛ لأن " باغيا " حال عاملها محذوف هو الخبر في الحقيقة تقديره : ولا أنا أرى باغيا ، أو يكون التقدير : ولا أرى باغياً ، فلما حذف الفعل انفصل الضمير .

وقرئ{[1229]} : " فلا خوف " بالرفع من غير تنوين ، والأحسن فيه أن تكون الإضافة مقدرة ، أي : خوف شيء .

وقيل : لأنع على نية الألف واللام .

وقيل : حذف التنوين تخفيفا ، وقرأ الزهري ، والحسن ، وعيسى بن عمر ، وابن أبي إسحاق ، ويعقوب : " فلا خوفَ " مبنيا على الفتح ؛ لأنها " لا " التبرئة ، وهي أبلغ في النفي ، ولكن الناس رجحوا قراءة الرفع .

قال " أبو البقاء " : لوجهين :

أحدهما : أنه عطف عليه ما لا يجوز فيه إلا الرفع ، وهو قوله : " ولا هم " لأنه معرفة ، و " لا " لا تعمل في المعارف ، فالأولى أن يجعل المعطوف عليه كذلك لتتشاكل الجملتان ، ثم نظره بقولهم : " قام زيد وعمرا كلمته " يعني في ترجيح النصب في جملة الاشتغال للتشاكل .

ثم قال : والوجه الثاني : من جهة المعنى ، وذلك أن البناء يدل على نفي الخوف عنهم بالكلية ، وليس المراد ذلك ، بل المراد نفيه عنهم في الآخرة .

فإن قيل : لم لا يكون وجه الرفع أن هذا الكلام مذكور في جزاء من اتبع الهدى ، ولا يليق أن ينفي عنهم الخوف اليسر ، ويتوهم بثبوت الخوف الكثير .

قيل " الرفع يجوز أن يضمر معه نفي الكثير ، تقديره : ولا خوف كثير عليهم ، فيتوهم ثبوت القليل ، وهو عكس ما قدر في السؤال ، فبان أن الوجه في الرفع ما ذكرنا .

قوله : " ولا هم يحزنون " تقدم أنه جملة منفية ، وأن الصحيح أنها غير عاملة . و " يحزنون " في محل رفع خبر للمبتدأ ، وعلى ذلك القول الضعيف يكون في محل نصب و " الخوف " : الذُّعر والفزع ، يقال : خاف يخاف خوفا ، فهو خائف ، والأصل : خوف بوزن " علم " ويتعدى بالهمزة والتضعيف ، قال تعالى : { ونُخوّفهم } [ الإسراء : 60 ] ولا يكون إلا في الأمر المستقبل .

والحزن : ضد السرور ، وهو مأخوذ من " الحَزْن " ، وهو ما غلظ من الأرض ، فكأنه ما غلظ من الهم ، ولا يكون إلا في الأمر الماضي ، يقال : حزِن يحزَنُ حُزناً وحَزَناً ، ويتعدى بالهمزة نحو : أحزَنتُه بمعناه ، فيكون " فعّل " و " أفعل " بمعنى . وقيل : أحزنه حصّل له حزنا .

وقيل : الفتحة معدّية للفعل نحو : شترَت عينه وشَترَها الله ، وهذا على قول من يرى أن الحركة تعدي الفعل ، وقد قرئ باللغتين{[1230]} : " حَزَنَهُ وأحْزَنهُ " ، وسيأتي تحقيقهما إن شاء الله تعالى .

فصل في لغات " حزن "

قال ابن الخطيب : قال اليزيدي : حَزَنه لغة " قريش " ، وأحزنه لغة " تميم " ، وحزن الرجل- بالكسر- فهو حَزِنٌ وحزينٌ ، وأُحزِن فهو محزون ، واحتزن وتحزّن بمعنى . وهذه الجملة مع اختصارها تجمع شيئا كثيرا من المعاني ؛ لأن قوله تعالى : { فإما يأتينّكم مني هدى } دخل فيه الإنعام بجميع الأدلة العقلية ، والشرعية الواردات للبيان ، وجميع ما لا يتم ذلك إلا به من العقل ، ووجوه التمكن ، وجميع قوله : { فمن تبع هُدايَ } تأمل الأدلة بنصها والنظر فيها ، واستنتاج المعارف منها ، والعمل بها وجميع قوله : { فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } جميع ما أعد الله-تعالى- لأوليائه ؛ لأن زوال الخوف يتضمن السلامة من جميع الآفات ، وزوال الحزن يقتضي الوصول إلى كل اللذات والمرادات ، وقدم عدم الخوف على عدم الحزن ؛ لأن زوال ما لا ينبغي مقدم على طلب ما ينبغي وهذا يدل على أن المكلف الذي أطاع الله-تعالى- لا يلحقه خوف في القبر ، ولا عند البعث ، ولا عند حضور الموقف ، ولا عند تطايُر الكتب ، ولا عند نصب الموازين ، ولا عند الصراط كما قال : { لا يحزُنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون } [ الأنبياء : 103 ] وقال قوم من المتكلمين : إن أهوال القيامة كما تصل إلى الكفار والفساق تصل إلى المؤمنين لقوله تعالى : { يوم ترونها تذهب كل مرضعة عما أرضعت } [ الحج : 2 ] فإذا انكشفت تلك الأهوال ، وصاروا إلى الجنة والرضوان صار ما تقدم كأن لم يكن ، بل ربما كان زائدا في الالتذاذ بما يجده من النعيم ، وهذا ضعيف ؛ لأن قوله : { لا يحزنهم الفزع الأكبر } أخص من قوله : { يوم ترونها تذهب كل مرضعة عما أرضعت } ، والخاص مقدم على العام .

فإن قيل : هذا يقتضي نفي الخوف والحزن مطلقا في الدنيا والآخرة ، وليس الأمر كذلك ؛ لأنهما حصلا في الدنيا للمؤمنين أكثر من حصولهما لغير المؤمنين قال عليه الصلاة والسلام : " خُصّ البلاء بالأنبياء ، ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل " .

وأيضا فالمؤمن لا يمكنه القطع بأنه أتى بالعبادات كما ينبغي ، فخوف التقصير حاصل وأيضا فخوف سوء العاقبة حاصل .

قلنا : قرائن الكلام تدل على أن المراد نفيهما في الآخرة لا في الدنيا ، ولذلك حكى الله عنهم أنهم قالوا حين دخلوا الجنة : { الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزن } [ فاطر : 24 ] .


[1215]:- في أ: العذاب.
[1216]:- ينظر المحرر الوجيز: 1/131.
[1217]:- في ب: الأخير.
[1218]:- ينظر الفخر الرازي: 3/25.
[1219]:- في أ: قال الحكيم الترمذي: إن آدم – عليه السلام - لما أهبط إلى الأرض، جاء "إبليس" إلى السّباع، فأشلاهم على آدم ليؤذوه، وكان أشدهم عليه الكلب، فأُميتَ فؤاده، فروي أن جبريل -عليه السلام - أمره أن يضع يده على رأسه، فوضعها، فاطمأن إليه وألفه، فصار ممن يكرمه، ويحرس ولده، ويموت فؤاده، فيفزع من الآدميين، فلو رمي بمَدَرٍ، ولّى هاربا ثم يعود آلفا له، ففيه شعبة من "إبليس"، وفيه شعبة من مِسحة آدم - عليه السلام -، فهو بشعبة إبليس ينبح، ويهر، ويعدو على الآدمي، وبِمِسحَة آدم مات فؤاده، حتى ذلّ، وانقاد، وألف به وبولده، يحرسهم، ولهثه على كل أحواله من موت فؤاده. قلت: ولا أظن هذا ثابتاً.
[1220]:- البيت للشنفري. ينظر البحر المحيط: 1/321، شرح الأشموني: 2/497، والدر المصون: 1/197.
[1221]:- ينظر أوضح المسالك: 4/97، وخزانة الأدب: 11/431، وشرح الأشموني: 2/497، وشرح التصريح: 2/204، والمقاصد النحوية: 4/339، الدر المصون: 1/197.
[1222]:- البيت للأعشى في ديوانه (221) وهو في الكتاب (2/46)، وابن يعيش (5/95)، (9/6/41)، الأمالي الشجرية (2/345)، الإنصاف (2/464)، التصريح (1/278)، الأِموني (2/54)، (3/216)، الدر المصون 1/198.
[1223]:- البيت لسلمى بن ربيعة ينظر الأصمعيات: (161)، الحماسة: (1/286)، النوادر: (121)، ابن الشجري: (2/69)، الهمع: (2/63)، المفصل: (519)، الدرر: (2/79)، الدر المصون: (1/197)، والبحر المحيط: (1/321).
[1224]:- البيت لبنت مرة بن عاهان ينظر خزانة الأدب: 11/387، 399، والدرر: 5/163، ولبنت أبي الحصين ينظر شرح أبيات سيبويه: 2/262، وأوضح المسالك: 4/107، وشرح الأشموني: 2/500، وشرح التصريح: 2/205، وشرح ابن عقيل: ص 547، والكتاب: 3/516، والمقتضب: 3/14، والقاصد النحوية: 4/330، والمقرب: 2/74، وهمع الهوامع: 2/79، الدر المصون: 1/198.
[1225]:- سقط في ب.
[1226]:- البيت لأبي ذؤيب في إنباه الرواة 1/52، والدرر 5/51، وسر صناعة الإعراب 2/700، وشرح أشعار الهذليين 1/7، وشرح شواهد المغني 1/262، وشرح قطر الندى ص 191، وشرح المفصل 3/33، وكتاب اللامات ص 98، ولسان العرب (هوا)؛ والمحتسب 1/76، والمقاصد النحوية 3/493، وهمع الهوامع 2/53، وأوضح المسالك 3/199، وجواهر الأدب ص 177، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 52، وشرح الأشموني 2/331، والمقرب 1/217، الدر المصون 1/199.
[1227]:- ينظر أوضح المسالك: 1/289، وتخليص الشواهد: ص 294، والجنى الداني: ص 292، وجواهر الأدب: ص 238، والدرر: 2/111، وشرح الأشموني: 1/247، وشرح التصريح: 1/199، وشرح شذور الذهب: ص 56، وشرح شواهد المغني: 2/612، وشرح ابن عقيل: ص 158، وشرح عمدة الحافظ: ص 216، وشرح قطر الندى: ص 114، ومغني اللبيب: 1/239، والمقاصد النحوية: 2/102، وهمع الهوامع: 1/125، الدر المصون: 1/199.
[1228]:- البيت للنابغة الجعدي: ينظر ديوانه: ص 171، الأشباه والنظائر: 8/110، تخليص الشواهد: ص 294، الجنى الداني: ص 293، شرح التصريح: 1/199، شرح شواهد المغني: 2/613، مغني اللبيب: 1/240، المقاصد النحوية: 2/141، جواهر الأدب: ص 247، شرح ابن عقيل: ص 159، همع الهوامع: 1/125، الدر المصون: 1/200.
[1229]:- قرأ بها ابن محيصن. انظر المحرر الوجيز: 1/132، والبحر المحيط: 1/322، والدر المصون: 1/200، وإتحاف فضلاء البشر: 1/389.
[1230]:- ينظر القراءة السابقة.