اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأۡسَنَآ إِذَا هُم مِّنۡهَا يَرۡكُضُونَ} (12)

{ فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ } أي : عذابنا بحاسة البصر { إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } أي : يسرعون هاربين .

والركض ضرب الدابة بالرجل ، يقال : ركض{[27906]} الدابة يركضها ركضاً{[27907]} ، ومنه قوله تعالى : «ارْكُضْ بِرِجْلِكَ »{[27908]} . فيجوز أن يركبوا دوابّهم فيركضوها هاربين منهزمين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب . ويجوز أن يشبهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم{[27909]} بالراكبين الراكضين{[27910]} .

قوله : «إِذَا هًمْ » : «إذَا » هذه فجائية ، وتقدم الخلاف فيها{[27911]} .

و «هُمْ » مبتدأ ، و «يَرْكُضُونَ » خبره{[27912]} . وتقدم أول الكتاب{[27913]} أن أمثال هذه الآية دالة على أن «لمَّا »{[27914]} ليست ظرفية{[27915]} بل حرف وجوب لوجوب{[27916]} ، لأن الظرف لا بد له من عامل ، ولا عامل هنا ، لأن ما بعد «إذا » لا يعمل فيما قبلها . والجواب أنه عمل فيها معنى المفاجَأة المدلول عليه ب «إِذَا »{[27917]} .

والضمير في «مِنْهَا » يعود على «قَرْيَةٍ » ، ويجوز أن يعود على «بَْسَنَا » لأنه في معنى النقمة والبأساء ، فأنث الضمير حملاً على المعنى{[27918]} . و «مِنْ » على الأول{[27919]} لابتداء الغاية ، وللتعليل على الثاني{[27920]} .

قوله :


[27906]:في الأًصل: راكض. وهو تحريف.
[27907]:اللسان (ركض).
[27908]:من قوله تعالى: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} [ص: 42].
[27909]:على أرجلهم: سقط من ب.
[27910]:وحذف المشبه. انظر الكشاف 3/5، والفخر الرازي 22/146.
[27911]:عند قوله تعالى: {فإذا هم مبلسون} [الأنعام: 44]، وذكر هناك: إذا هي الفجائية، وفيها ثلاثة مذاهب: مذهب سيبويه أنها ظرف مكان، ومذهب جماعة منهم الرياشي أنها ظرف زمان، ومذهب الكوفيين أنها حرف، فعلى تقدير كونها ظرفا زمانا أو مكانا فالناصب لها خبر المبتدأ، أي: ألبسوا في مكان إقامتهم أو زمانها. انظر اللباب 3/4174.
[27912]:انظر التبيان 2/913.
[27913]:عند قوله تعالى: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم} [البقرة: 89] انظر اللباب 1/120.
[27914]:في ب: على أنها.
[27915]:قال بظرفيتها ابن السراج وتبعه الفارسي وابن جني وجماعة، فهي عندهم ظرف بمعنى (حين)، وقال ابن مالك "إذ" وهو حسن، لأنها مختصة بالماضي وبالإضافة إلى الجملة، والعامل فيها على الظرفية جوابها. انظر المغني 1/380، الهمع 1/215.
[27916]:وهو رأي الجمهور، لأنها عندما تدخل على الماضي تقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما نحو لما جاءني أكرمته. ويكون جوابهما فعلا ماضيا اتفاقا نحو قوله تعالى: {فلما نجاكم إلى البر أعرضتم} [الإسراء: 67] وجملة اسمية مقرونة بـ "إذا" الفجائية نحو قوله تعالى: {فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} [العنكبوت: 65]. أو بالفاء عند ابن مالك نحو قوله تعالى: {فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد} [لقمان:32]، وقيل: إن الجواب محذوف، أي انقسموا قسمين فمنهم مقتصد. وفعلا مضارعا عند ابن عصفور نحو قوله تعالى: {فلما ذهب عن إبراهيم الرّوع وجاءته البشرى يجادلنا} [هود: 74]، وهو مؤول بجادلنا وقيل إن الجواب (جاءته البشرى) على زيادة الواو، أو محذوف، أي: أقبل يجادلنا، انظر المغني 1/280-281.
[27917]:هذا الجواب يدل على أن ابن عادل أخذ برأي ابن السراج ومن تبعه في أن (لمّا) ظرفية.
[27918]:انظر البحر المحيط 6/300.
[27919]:وهو عود الضمير على "قرية".
[27920]:وهو عود الضمير على "بأسنا".