وهي مائة واثنتا عشرة آية ، وكلماتها ألف{[1]} ومائة وستون كلمة ، وعدد حروفها أربعة آلاف وثمان وتسعون حرفا{[2]} .
قوله تعالى : { اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } الآية .
اللام متعلّقة ب «اقْتَرَبَ » ، قال الزمخشري : هذه اللام لا تخلو إمَّا{[27668]} أن تكون صلة ل «اقْتَرَبَ » ، أو تأكيداً لإضافة الحساب إليهم كقولك : أَزِفَ للحيّ رَحِيلُهُمْ ، الأصل : أَزِف رحيلُ الحيّ ، ثم أزف للحيّ الرحيلُ ، ثم أزف للحي رَحِيلُهُمْ ، ونحوه ما أورده سيبويه في باب ما يثنى فيه المستقر توكيداً{[27669]} ، نحو عَلَيْكَ زَيْدٌ حَرِيصٌ علَيكَ ، وفِيكَ زيدٌ{[27670]} رَاغِبٌ فِيكَ{[27671]} ، ومنه قولهم : لاَ أَبَا لكَ{[27672]} ، لأنّ اللام مؤكدة لمعنى الإضافة ، وهذا الوجه أغرب من الأول{[27673]} .
قال أبو حيَّان : يعني بقوله : صلة ل «اقْتَرَبَ » أي متعلقة به ، وأما جعله اللام توكيداً لإضافة الحساب إليهم مع تقدم اللام ودخولها على الاسم الظاهر فلا نعلم أحدا يقول ذلك ، وأيضاً فيحتاج إلى ما يتعلق به ، ولا يمكن تعلقها ب «حِسَابُهُمْ » لأنَّه مصدر موصول ، ولأنه قدم معموله عليه{[27674]} ، وأيضاً فإنّ التوكيد يكون متأخراً عن المؤكد ، وأيضاً فلو أخر في{[27675]} هذا التركيب لم يصح{[27676]} .
وأما تشبيهه بما أورده سيبويه فالفرق واضح ، فإن ( عَلَيْكَ ) معمول ل ( حريص ) و ( عَلَيْك ) المتأخرة{[27677]} تأكيد وكذلك ( فِيكَ زَيْدٌ{[27678]} رَاغِبٌٌ فِيكَ ) يتعلق{[27679]} ( فِيكَ ) ب ( رَاغِب ) و ( فِيكَ ) الثانية توكيد{[27680]} ، وإنَّمَا غره في ذلك صحة{[27681]} تركيب اقترب حساب{[27682]} الناس ، وكذلك أزِفَ رحيلُ الحيّ ، فاعتقد إذا تقدم الظاهر مجروراً باللام وأضيف المصدر لضميره أنه من باب : فِيكَ زَيْدٌ رَاغِبٌ فِيكَ ، فليس مثله .
وأما ( لاَ أَبَا لَكَ ) ، فهي مسألة مشكلة ، وفيها خلاف{[27683]} ، ويكن أن يقال فيها ذلك{[27684]} ، لأنَّ اللام فيها جاورت الإضافة ، ولا يقاس عليها لشذوذها وخروجها عن الأقيسة{[27685]} . قال شهاب الدين : مسألة الزمخشري أشبه شيء بمسألة ( لاَ أَبَا لَكَ ) ، والمعنى الذي أورده صحيح ، وأما كونها مشكلة فهو إنما بناها على قول الجمهور ، والمشكل مقدر في بابه ، فلا يضرنا القياس عليه لتقريره في مكانه{[27686]} . قوله : { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } يجوز أنْ يكونَ الجار متعلقاً بمحذوف على أنه حال من الضمير في «مُعْرِضُونَ »{[27687]} وأن يكون خبراً من الضمير ، ومعرضون خب ثان وقول أبي البقاء في هذا الجار : إنه خبر ثان{[27688]} . يعني في العدد وإلا فهو أول في الحقيقة . وقد يقال : لمّا كان في تأويل المفرد جعل المفرد الصريح مقدماً في الرتبة ، فهو ثان بهذا الاختيار .
وهذه الجملة في محل نصب على الحال من «للنَّاسِ »{[27689]} .
نزلت في منكري البعث ، والقرب{[27690]} لا يعقل إلا في المكان والزمان ، والقرب المكاني هما ممتنع فتعين القرب الزماني . فإن قيل : كيف وصف بالاقتراب وقد عبر هذا القول أكثر من ستمائة عام ؟
والجواب{[27691]} من وجوه :
الأول : أنه مقترب عند الله ، لقوله تعالى :
{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [ الحج : 47 ] .
الثاني : أنَّ{[27692]} كُلَّ آتٍ وإن طالت أوقات ترقبه ، وإنما البعيد هو الذي انقرض قال الشاعر :
3703- فَمَا زَالَ مَا تَهْوَاهُ أَقْرَبَ مِنْ غَدٍ *** وَلاَ زَالَ ما تَخْشَاهُ أبعدُ مِنْ أمسِ{[27693]}
الثالث : أنَّ{[27694]} المقابلة{[27695]} إذا كانت مؤجلة إلى سنة ثم انقضى منها شهر ، فإنه لا يقال : اقترب الأجل ، أمَّا إذا كان الماضي أكثر من الباقي فإنه يقال : اقترب الأجل . فعلى هذا الوجه قال العلماء : إن فيه دلالة على قرب القيامة ، ولهذا قال عليه السلام{[27696]} : «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ »{[27697]} وقال عليه السلام : «ختمت النبوة »{[27698]} كل ذلك لأجل أنَّ{[27699]} الباقي من{[27700]} مدة التكليف أقل من الماضي{[27701]} واعلم أنه إنما ذكر تعالى هذا الاقتراب لما فيه من مصلحة المكلفين ليكثر تحرزهم خوفاً منها{[27702]} . ولم يعين الوقت ، لأنَّ كتمان وقت الموت أصلح لهم{[27703]} والمراد بالناس من له مدخل في الحساب وهم المكلفون دون من لا مدخل فيه .
قال ابن عبس : المراد بالناس المشركون . وهذا من إطلاق اسم الجنس على بعضه للدليل القائم ، وهو ما يتلوه من صفات المشركين{[27704]} .
وقوله : { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } وصفهم بالغفلة والإعراض ، وأما الغفلة فالمعنى : أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون في عاقبتهم مع اقتضاء عقولهم أنه لا بُدَّ من جزاء المحسن والمسيء ، ثم إذا انتبهوا من سِنَة الغفلة ، ورقدة الجهالة مما يتلى عليهم من الآيات أعرضوا وسدوا أسماعهم{[27705]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.