اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلۡخَلۡقِ غَٰفِلِينَ} (17)

قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ } الآية ، أي : سبع{[32392]} سموات سُميت طرائق لتطارقها ، وهو أن بعضها فوق بعض ، يقال : طارقتُ النعلَ : إذا أطبق نعلاً على نعل ، وطارق{[32393]} بين الثوبين : إذا لَبس ثوباً على ثوب قاله الخليل{[32394]} والزجاج{[32395]} والفراء{[32396]} قال الزجاج : هو كقوله : { سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً }{[32397]} [ الملك : 3 ] وقال عليّ بن عيسى : سميت بذلك ، لأنها طرائق الملائكة في العروج{[32398]} والهبوط ، وقيل : لأنها طرائق الكواكب في مسيرها .

والوجه في إنعامه علينا بذلك أنه جعلها موضعاً لأرزاقِنَا بإنزال الماء منها ، وجعلها مقراً للملائكة ، ولأنها موضع الثواب ، ومكان إرسال الأنبياء ونزول الوحي {[32399]} .

قوله : { وَمَا كُنَّا عَنِ الخلق غَافِلِينَ } أي : بل كنا لهم حافظين من أن تسقط عليهم الطرائق السبع فتهلكهم ، وهذا قول سفيان بن عيينة ، وهو كقوله تعالى{[32400]} : { إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ }{[32401]} [ فاطر : 41 ] ، وقوله : { وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض }{[32402]} {[32403]} [ الحج : 65 ] ، وقال الحسن : إنا خلقناهم فوقهم{[32404]} ليدل عليهم بالأَرزاق والبركات منها {[32405]} .

وقيل : خلقنا هذه الأشياء دلالة{[32406]} على كمال قدرتنا ، ثم بَيَّن كمال العلم بقوله : { وَمَا كُنَّا عَنِ الخلق غَافِلِينَ } يعني : عن أعمالهم وأقوالهم وضمائرهم وذلك يفيد نهاية الزجر{[32407]} .

وقيل : وما كنا عن خلق السموات غافلين بل نحن لها حافظين لئلا تخرج عن التقدير الذي أردناها عليه كقوله تعالى : { مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمان مِن تَفَاوُتِ }{[32408]} {[32409]} [ الملك : 3 ] .

واعلم أن هذه الآيات{[32410]} دالة على مسائل :

منها : أنها تدل على وجود الصانع ، فإن انقلاب هذه الأجسام من صفة إلى صفة أخرى تضاد الأولى مع إمكان بقائها على الصفة الأولى يدل على أنه لا بد من مغير .

ومنها : أنها تدل على فساد القول بالطبيعة ، فإن شيئاً من تلك الصفات لو حصلت بالطبيعة لوجب بقاؤها ، وعدم تغيرها ، ولو قيل : إنما تغيرت تلك الصفات لتغير تلك الطبيعة افتقرت تلك الطبيعة إلى خالق وموجد .

ومنها : أنها تدل على أنّ المدبر قادر عالم ، لأنَّ الجاهل لا يصدر عنه هذه الأفعال العجيبة .

ومنها : أنها تدل على أنه عالم بكل المعلومات قادر على كل الممكنات .

ومنها : أنها تدل على جواز الحشر والنشر بصريح الآية ، ولأنّ الفاعل لما كان قادراً على كل الممكنات وعالماً بكل المعلومات وجب أن يكون قادراً على إعادة التركيب إلى تلك الأجزاء كما كانت .

ومنها : أنّ معرفة الله يجب أنْ تكون استدلالية لا تقليدية ، وإلاَّ لكان ذكر هذه الدلائل عبثاً {[32411]} .


[32392]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/88.
[32393]:في ب: وطارقت.
[32394]:العين (طرق).
[32395]:معاني القرآن وإعرابه 4/9.
[32396]:معاني القرآن 2/232.
[32397]:من قوله تعالى: {الذي خلق سبع سماوات طباقا} [الملك: 3].
[32398]:في الأصل: بالعروج.
[32399]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 23/88.
[32400]:تعالى: سقط من ب.
[32401]:[فاطر: 41].
[32402]:[الحج: 65].
[32403]:انظر الفخر الرازي 23/88.
[32404]:في الأصل: خلقكم.
[32405]:انظر الفخر الرازي 23/88.
[32406]:في ب: دليلا.
[32407]:انظر الفخر الرازي 23/88.
[32408]:من قوله تعالى: {والذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت} [الملك: 3].
[32409]:انظر الفخر الرازي 23/88.
[32410]:من هنا نلقه ابن عادل عن الفخر الرازي 23/88 – 89.
[32411]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 23/ 88 – 89.