قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ } الآية ، أي : سبع{[32392]} سموات سُميت طرائق لتطارقها ، وهو أن بعضها فوق بعض ، يقال : طارقتُ النعلَ : إذا أطبق نعلاً على نعل ، وطارق{[32393]} بين الثوبين : إذا لَبس ثوباً على ثوب قاله الخليل{[32394]} والزجاج{[32395]} والفراء{[32396]} قال الزجاج : هو كقوله : { سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً }{[32397]} [ الملك : 3 ] وقال عليّ بن عيسى : سميت بذلك ، لأنها طرائق الملائكة في العروج{[32398]} والهبوط ، وقيل : لأنها طرائق الكواكب في مسيرها .
والوجه في إنعامه علينا بذلك أنه جعلها موضعاً لأرزاقِنَا بإنزال الماء منها ، وجعلها مقراً للملائكة ، ولأنها موضع الثواب ، ومكان إرسال الأنبياء ونزول الوحي {[32399]} .
قوله : { وَمَا كُنَّا عَنِ الخلق غَافِلِينَ } أي : بل كنا لهم حافظين من أن تسقط عليهم الطرائق السبع فتهلكهم ، وهذا قول سفيان بن عيينة ، وهو كقوله تعالى{[32400]} : { إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ }{[32401]} [ فاطر : 41 ] ، وقوله : { وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض }{[32402]} {[32403]} [ الحج : 65 ] ، وقال الحسن : إنا خلقناهم فوقهم{[32404]} ليدل عليهم بالأَرزاق والبركات منها {[32405]} .
وقيل : خلقنا هذه الأشياء دلالة{[32406]} على كمال قدرتنا ، ثم بَيَّن كمال العلم بقوله : { وَمَا كُنَّا عَنِ الخلق غَافِلِينَ } يعني : عن أعمالهم وأقوالهم وضمائرهم وذلك يفيد نهاية الزجر{[32407]} .
وقيل : وما كنا عن خلق السموات غافلين بل نحن لها حافظين لئلا تخرج عن التقدير الذي أردناها عليه كقوله تعالى : { مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمان مِن تَفَاوُتِ }{[32408]} {[32409]} [ الملك : 3 ] .
واعلم أن هذه الآيات{[32410]} دالة على مسائل :
منها : أنها تدل على وجود الصانع ، فإن انقلاب هذه الأجسام من صفة إلى صفة أخرى تضاد الأولى مع إمكان بقائها على الصفة الأولى يدل على أنه لا بد من مغير .
ومنها : أنها تدل على فساد القول بالطبيعة ، فإن شيئاً من تلك الصفات لو حصلت بالطبيعة لوجب بقاؤها ، وعدم تغيرها ، ولو قيل : إنما تغيرت تلك الصفات لتغير تلك الطبيعة افتقرت تلك الطبيعة إلى خالق وموجد .
ومنها : أنها تدل على أنّ المدبر قادر عالم ، لأنَّ الجاهل لا يصدر عنه هذه الأفعال العجيبة .
ومنها : أنها تدل على أنه عالم بكل المعلومات قادر على كل الممكنات .
ومنها : أنها تدل على جواز الحشر والنشر بصريح الآية ، ولأنّ الفاعل لما كان قادراً على كل الممكنات وعالماً بكل المعلومات وجب أن يكون قادراً على إعادة التركيب إلى تلك الأجزاء كما كانت .
ومنها : أنّ معرفة الله يجب أنْ تكون استدلالية لا تقليدية ، وإلاَّ لكان ذكر هذه الدلائل عبثاً {[32411]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.