قوله : { إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } . يجوز أن تكون «ساءت » بمعنى أحزنت ، فتكون متصرفة ناصبة المفعول ، وهو هنا محذوف ، أي : أنها يعني جهنم أحزنت صحابها و «مُسْتَقرًّا »{[36625]} يجوز أن تكون تمييزاً وأن تكون حالاً{[36626]} .
ويجوز أن تكون «سَاءَتْ » بمعنى بئست ، فتعطي حكمها ، ويكون المخصوص بالذم محذوفاً ، وفي «ساءت » ضمير مبهم يفسره{[36627]} مستقر و «مستقراً » يتعين أن يكون تمييزاً ، أي : سَاءَتْ هي ، فهي مخصوص وهو الرابط بين هذه الجملة وبين مَا وَقَعَتْ خبراً عنه ، وهو «إنَّها كذا قدَّره أبو حيان{[36628]} ، وقال أبو البقاء : «مُسْتَقَرًّا » تمييز ، و «سَاءَتْ » بمعنى بئْسَ{[36629]} . فإن قيل : يلزم من هذا إشكال ، وذلك أنه يلزم تأنيث فعل الفاعل المذكَّر من غير مسوِّغ لذلك ، فإنَّ الفاعل في «سَاءَتْ » على هذا يكون ضميراً عائداً على ما بعده ، وهو «مُسْتَقَرًّا وَمُقَاماً » ، وهما مذكران ، فن أين جاء التأنيث ؟
والجواب : أن المستقرَّ عبارة عن جهنَّم فلذلك جاز تأنيث فعله ، ومثله قوله :
أَوْ حُرَّةٌ عَيْطَلٌ ثَيْجَاءَ مُجْفَرَةٍ *** دَعَائِمَ الزَّوْرِ نِعْمَتْ زَوْرَقُ البَلَدِ{[36630]}
و«مُسْتَقرًّا وَمُقَاماً » قيل : مترادفان{[36631]} ، وعطف أحدهما على الآخر لاختلاف لفظيهما . وقيل : بل هما مختلفا{[36632]} المعنى ، فالمستقرُّ للعصاة ، فإنهم يخرجون ، والمقام للكُفَّار فإنهم مخلدون{[36633]} . فإن قيل : إنهم سألوا الله أن يصرف عنهم عذاب جهنم لعلتين : إحداهما{[36634]} : أن عذابها كان غراماً . والثانية : أنها ساءت مستقراً ومقاماً فما الفرق بين الوجهين ؟
فالجواب : قال المتكلمون : عقاب الكافر يجب أن يكون مضرّة خالصة عن شوائب النفع ( دائمة ، فقوله : { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } إشارة إلى كونه مضرّة خالصة عن شوائب النفع ) {[36635]} وقوله : { إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } إشارة إلى كونه دائماً ، فحصلت المغايرة{[36636]} . وقرأت فرقة «مَقَاماً » بفتح الميم ، أي : مكان قيام{[36637]} .
وقراءة العامة{[36638]} هي المطابقة للمعنى ، أي : مكان إقامة{[36639]} وثُوِيٍّ .
وقوله : { إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً } يحتمل أن يكون من كلامهم ، فتكون منصوبة المحل بالقول ، وأن يكون من كلام الله تعالى{[36640]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.