اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّهَا سَآءَتۡ مُسۡتَقَرّٗا وَمُقَامٗا} (66)

قوله : { إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } . يجوز أن تكون «ساءت » بمعنى أحزنت ، فتكون متصرفة ناصبة المفعول ، وهو هنا محذوف ، أي : أنها يعني جهنم أحزنت صحابها و «مُسْتَقرًّا »{[36625]} يجوز أن تكون تمييزاً وأن تكون حالاً{[36626]} .

ويجوز أن تكون «سَاءَتْ » بمعنى بئست ، فتعطي حكمها ، ويكون المخصوص بالذم محذوفاً ، وفي «ساءت » ضمير مبهم يفسره{[36627]} مستقر و «مستقراً » يتعين أن يكون تمييزاً ، أي : سَاءَتْ هي ، فهي مخصوص وهو الرابط بين هذه الجملة وبين مَا وَقَعَتْ خبراً عنه ، وهو «إنَّها كذا قدَّره أبو حيان{[36628]} ، وقال أبو البقاء : «مُسْتَقَرًّا » تمييز ، و «سَاءَتْ » بمعنى بئْسَ{[36629]} . فإن قيل : يلزم من هذا إشكال ، وذلك أنه يلزم تأنيث فعل الفاعل المذكَّر من غير مسوِّغ لذلك ، فإنَّ الفاعل في «سَاءَتْ » على هذا يكون ضميراً عائداً على ما بعده ، وهو «مُسْتَقَرًّا وَمُقَاماً » ، وهما مذكران ، فن أين جاء التأنيث ؟

والجواب : أن المستقرَّ عبارة عن جهنَّم فلذلك جاز تأنيث فعله ، ومثله قوله :

أَوْ حُرَّةٌ عَيْطَلٌ ثَيْجَاءَ مُجْفَرَةٍ *** دَعَائِمَ الزَّوْرِ نِعْمَتْ زَوْرَقُ البَلَدِ{[36630]}

و«مُسْتَقرًّا وَمُقَاماً » قيل : مترادفان{[36631]} ، وعطف أحدهما على الآخر لاختلاف لفظيهما . وقيل : بل هما مختلفا{[36632]} المعنى ، فالمستقرُّ للعصاة ، فإنهم يخرجون ، والمقام للكُفَّار فإنهم مخلدون{[36633]} . فإن قيل : إنهم سألوا الله أن يصرف عنهم عذاب جهنم لعلتين : إحداهما{[36634]} : أن عذابها كان غراماً . والثانية : أنها ساءت مستقراً ومقاماً فما الفرق بين الوجهين ؟

فالجواب : قال المتكلمون : عقاب الكافر يجب أن يكون مضرّة خالصة عن شوائب النفع ( دائمة ، فقوله : { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } إشارة إلى كونه مضرّة خالصة عن شوائب النفع ) {[36635]} وقوله : { إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } إشارة إلى كونه دائماً ، فحصلت المغايرة{[36636]} . وقرأت فرقة «مَقَاماً » بفتح الميم ، أي : مكان قيام{[36637]} .

وقراءة العامة{[36638]} هي المطابقة للمعنى ، أي : مكان إقامة{[36639]} وثُوِيٍّ .

وقوله : { إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً } يحتمل أن يكون من كلامهم ، فتكون منصوبة المحل بالقول ، وأن يكون من كلام الله تعالى{[36640]} .


[36625]:في ب: ومستقر.
[36626]:انظر الكشاف 3/104.
[36627]:في ب: مفسره.
[36628]:انظر البحر المحيط 6/513، وانظر الكشاف 3/104.
[36629]:التبيان 2/991.
[36630]:البيت من بحر البسيط، قاله ذو الرمة من قصيدة في مدح بلال بن أبي بردة وهو في الديوان 1/174، ابن يعيش 7/136، المقرب 72، الخزانة 9/420.
[36631]:انظر الكشاف 3/104.
[36632]:في ب: مختلفان.
[36633]:انظر البحر المحيط 6/513.
[36634]:في ب: إحديهما.
[36635]:ما بين القوسين سقط من ب.
[36636]:انظر الفخر الرازي 24/109.
[36637]:انظر تفسير ابن عطية 11/70، البحر المحيط 6/513.
[36638]:بالضم. تفسير ابن عطية 11/69، البحر المحيط 6/513.
[36639]:المرجعان السابقان.
[36640]:فتكون مستأنفة لا محل لها من الإعراب. انظر البحر المحيط 6/513.