اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسۡجُدُواْۤ لِلرَّحۡمَٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحۡمَٰنُ أَنَسۡجُدُ لِمَا تَأۡمُرُنَا وَزَادَهُمۡ نُفُورٗا۩} (60)

قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسجدوا للرحمن } الآية . قال أكثر المفسرين : الرحمن اسم من أسماء الله مكتوب في الكتب المتقدمة والعرب ما عرفوه{[36524]} .

قال مقاتل : «إن أبا جهل قال : إن الذي يقول محمد شعر ، فقال عليه السلام{[36525]} : «الشعر غير هذا إن هذا إلا كلام الرحمن » ، فقال أبو جهل : بخ بخ{[36526]} لعمري{[36527]} والله إنه لكلام الرحمن الذي باليمامة هو يعلمك ، فقال عليه السلام{[36528]} : «الرحمن الذي في السماء ومن عنده يأتيني الوحي » ، فقال : يا أبا غالب من يعذرني من محمد يزعم أن الله واحد وهو يقول : الله يعلمني والرحمن ، ألستم تعلمون أنهما إلهان{[36529]} . قال القاضي : والأقرب أن مرادهم إنكار الله لا الاسم ، لأن هذه اللفظة عربية وهم كانوا يعلمون أنها تفيد المبالغة في الإنعام ، ثم إن قلنا : إنهم كانوا منكرين ( لله كان قولهم ) {[36530]} : «وَمَا الرَّحْمَن » سؤال عن الحقيقة كقول فرعون : { وَمَا رَبُّ العالمين } [ الشعراء : 23 ] ، وإن قلنا : إنهم كانوا مقرين بالله لكنهم جهلوا كونه تعالى مسمى بهذا الاسم كان قولهم «وَمَا الرَّحْمَن » سؤال عن هذا الاسم{[36531]} .

قوله : { أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا } قرأ الأخوان بياء الغيبة{[36532]} ، يعنون محمداً كأن بعضهم قال لبعض : أنسجد لما يأمرنا محمدٌ أو يأمرنا المسمى بالرحمن ولا نعرف ما هو{[36533]} .

والباقون بالخطاب{[36534]} ، يعني لما تأمرنا أنت يا محمد .

و «ما » يجوز أن يكون بمعنى ( الذي ) {[36535]} ، والعائد محذوف لأنه متصل ؛ لأن ( أمر ) يتعدى إلى الثاني بإسقاط الحرف ، ولا حاجة إلى التدرج{[36536]} الذي ذكره أبو البقاء وهو أن الأصل : لما تأمرنا بالسجود له ، ثم بسجوده ، ثم تأمرناه ، ثم تأمرنا ، كذا قدره ، ثم قال : هذا على مذهب أبي الحسن وأما على مذهب سيبويه فحذف ذلك من غير تدريج{[36537]} . قال شهاب الدين : وهذا ليس مذهب سيبويه{[36538]} . ويجوز أن تكون موصوفة{[36539]} ، والكلام{[36540]} في عائدها موصوفة كهي موصولة ويجوز أن تكون مصدرية{[36541]} ، وتكون اللام للعلة ، أي : أنسجد من أجل أمرك وعلى هذا يكون المسجود{[36542]} له محذوفاً{[36543]} ، أي : أنسجد للرحمن لما تأمرنا ، وعلى هذا لا تكون «ما » واقعة على العالم ، وفي الوجهين الأوليين يحتمل ذلك وهو المتبادر للفهم .

قوله : «وَزَادَهُمْ نُفُوراً » قول القائل لهم اسجدوا للرحمن . نفوراً عن الدين والإيمان . ومن حقه أن يكون باعثاً على الفعل والقبول ، قال الضحاك : سجد الرسول{[36544]} وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعثمان بن مظعون وعمرو بن عنبسة ، ولما رآهم المشركون يسجدون تباعدوا في ناحية المسجد مستهزئين من هذا ، وهو المراد من قوله «وَزَادَهُمْ نُفُوراً » أي : فزادهم سجودهم نفوراً{[36545]} .


[36524]:انظر الفخر الرازي 24/105.
[36525]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[36526]:معنى (بخ بخ): تعظيم الأمر وتفخيمه، ويقال عند التعجب من الشيء وعند المدح والرضى بالشيء. انظر اللسان (بخخ).
[36527]:في ب: لعمرك.
[36528]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[36529]:انظر الفخر الرازي 24/105.
[36530]:ما بين القوسين في ب: الله كانوا قالوا.
[36531]:انظر الفخر الرازي 24/105.
[36532]:السبعة (466)، الكشف 2/146، النشر 2/334، الإتحاف (329).
[36533]:انظر الفخر الرازي 24/106.
[36534]:السبعة (466)، الكشف 2/146، النشر 2/334، الإتحاف (329).
[36535]:انظر البيان 2/207، التبيان 2/989.
[36536]:في ب: التدريج.
[36537]:التبيان 2/989 – 990.
[36538]:الدر المصون 5/143.
[36539]:انظر التبيان 2/989.
[36540]:في ب: بالكلام.
[36541]:انظر البيان 2/207، التبيان 2/990.
[36542]:في ب: السجود. وهو تحريف.
[36543]:في ب: محذوف. وهو تحريف.
[36544]:في الأصل: رسول.
[36545]:انظر الفخر الرازي 24/106.