اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا} (63)

قوله تعالى : { وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ } { عِبَادُ الرحمن } رفع بالابتداء ، وفي خبره وجهان :

أحدهما : الجملة الأخيرة في آخر السورة «أُولَئِكَ يُجْزَونَ »{[36582]} ، وبه بدأ الزمخشري{[36583]} و «الَّذِينَ يَمْشُونَ » وما بعده صفات للمبتدأ .

والثاني : أن الخبر «يَمْشُونَ »{[36584]} . والعامة على «عِبَادِ » ، [ واليمانيّ بضم العين وتشديد الباء جمع عابد{[36585]} ، والحسن «عُبُد » بضمتين{[36586]} .

والعامة «يَمْشُون » بالتخفيف مبنياً للفاعل ]{[36587]} ، واليماني والسلمي بالتشديد مبنياً للمفعول{[36588]} .

فصل

هذه الإضافة للتخصيص والتفضيل{[36589]} وإلا فالخلق كلهم عباد الله .

قوله : «هَوْناً » إما نعت مصدر ، أي : مشياً هوناً ، وأما حال أي : هَيِّنينَ ، والهون : اللين والرفق{[36590]} ، أي يمشون بالسكينة والوقار متواضعين ، ولا يضربون بأقدامهم أشراً وبطراً{[36591]} ولا يتبخترون خيلاء{[36592]} . وقال الحسن : علماء حكماء{[36593]} .

وقال محمد ابن الحنفية : أصحاب وقار وعفّة لا يسفهون{[36594]} وإن سفه عليهم حلموا{[36595]} { وإذا خاطبهم الجاهلون } يعني السفهاء بما يكرهونه «قَالُوا سَلاَماً » . قال مقاتل : قولاً يسلمون فيه من الإثم{[36596]} . وقيل : المعنى : لا نجاهلكم . وقيل : المراد حلمهم في مقابلة الجهل{[36597]} . وقال الأصم : «قَالُوا سَلاَماً » أي : سلام توديع لا محبة ، كقول إبراهيم - عليه السلام{[36598]} - لأبيه : «سَلاَمٌ عَلَيْكَ »{[36599]} .

قال الكلبي وأبو العالية : نسختها آية القتال{[36600]} .

قوله : «سَلاَماً » يجوز أن ينتصب على المصدر بفعل مقدر أي : نسلم سلاماً أو نسلم تسليماً منكم لا نجاهلكم فأقيم السلام مقام التسليم{[36601]} ، ويجوز أن ينتصب على المفعول به ، أي : قالوا هذا اللفظ ، قال الزمخشري : أي قالوا سداداً من القول يسلمون فيه من الأذى ، والمراد سلامتهم{[36602]} من السفه ، كقوله :

أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا *** فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا{[36603]}

ورجح سيبويه أن المراد بالسلام السلامة لا التسليم ، لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالتسليم على الكفرة ، وإنما أمروا بالمسالمة ، ثم نسخ ذلك ، ولم يذكر سيبويه نسخاً إلا في هذه الآية{[36604]} .


[36582]:من الآية (75).
[36583]:انظر الكشاف 3/103.
[36584]:انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/74 – 75، الكشاف 3/103، البيان 2/208، التبيان 2/990، البحر المحيط 6/512.
[36585]:المختصر (105)، البحر المحيط 6/512.
[36586]:انظر تفسير ابن عطية 11/65، البحر المحيط 6/512.
[36587]:ما بين القوسين سقط من الأصل.
[36588]:المختصر (105)، البحر المحيط 6/512.
[36589]:انظر الكشاف 3/103.
[36590]:انظر الكشاف 3/103، البحر المحيط 6/512.
[36591]:البطر: الطغيان عند النعمة وطول الغنى. اللسان (بطر).
[36592]:انظر الفخر الرازي 24/107.
[36593]:انظر البغوي 6/191.
[36594]:في ب: لا يسهون.
[36595]:انظر البغوي 6/191.
[36596]:المرجع السابق.
[36597]:انظر الفخر الرازي 24/108.
[36598]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[36599]:من قوله تعالى: {قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا} [مريم: 47]. وانظر الفخر الرازي 24/108.
[36600]:انظر الفخر الرازي 24/108.
[36601]:انظر الكشاف 3/103، البيان 2/208.
[36602]:في ب: سلامهم.
[36603]:الكشاف 3/103. بتصرف. البيت من الوافر قاله عمرو بن كلثوم، وقد تقدم وأورده شاهدا على أنهم أمروا بألا يقابلوا الإساءة بمثلها أو بأكبر منها بل بالحسنى.
[36604]:قال سيبويه: (وزعم أبو الخطاب أن مثله قولك للرجل: سلاما، تريد تسليما منك، كما قلت: براءة منك، تريد لا ألتبس بشيء من أمرك. وزعم أن أبا ربيعة كان يقول: إذا لقيت فلانا فقل له: سلاما. فزعم أنه سأله ففسره له بمعنى براءة منك. وزعم أن هذه الآية: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} بمنزلة ذلك، لأن الآية فيما زعم مكية، ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين، ولكنه على قولك: براءة منكم وتسليما لا خير بيننا وبينكم ولا شر) الكتاب 2/324 – 325، وانظر الفخر الرازي 24/108.